انتقادات لمسرحية "الجدار" التي تم عرضها في بغداد.. ما طبيعتها؟
تعرف على التفاصيل
انتقادات لمسرحية "الجدار" التي تم عرضها في بغداد.. ما طبيعتها؟
انفوبلس/..
بين رسائل الفن الراقي وحدود الجرأة الأخلاقية، أثارت مسرحية “الجدار” للمخرج سنان العزاوي جدلاً واسعاً في الأوساط الثقافية العراقية. العرض، الذي قُدم تحت مظلة دائرة السينما والمسرح، كان من المفترض أن يعالج قضايا اجتماعية وسياسية عميقة، لكنه أثار انتقادات حادة بسبب جرأته في الطرح، واعتماده على حوارات وأحداث وُصفت بأنها تخرج عن القيم الثقافية والمجتمعية.
هذا العمل المسرحي فتح الباب واسعاً لنقاشات حول دور الفن في نقد الواقع، وحدود الجرأة بين الرسالة والإساءة، ودور المؤسسات الثقافية في الرقابة والتوجيه.
*مسرحية خارج السياق الفني والرسالي
يقول الناقد سراج الموسوي، إنه "قدمت دائرة السينما والمسرح العراقية مسرحية “الجدار” للمخرج سنان العزاوي، كعمل من المفترض أن يسلط الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية حيوية. لكن بدلاً من أن يكون العمل وسيلة للإصلاح أو النقد البنّاء، تحول إلى منصة لتجريد الواقع من كل قيمه، مستغلاً الجرأة الفنية كذريعة لتقديم حوارات وأحداث تخرج عن إطار الرسالة الثقافية والمجتمعية لدائرة السينما والمسرح".
*فوضى الرمزية وغياب الهدف
في “الجدار”، يتصدر الفساد والانحراف القيمي المشهد، بأسلوب رمزي بالغ الحدة. الجدار، كرمز للسلطة، يتداعى تحت وطأة الأحداث التي تستعرض العلاقات المظلمة بين السياسيين، الدين، والمجتمع. إلا أن الرمزية المفرطة التي اعتمدت عليها المسرحية انزلقت إلى المباشرة الفجّة، ما أدى إلى تفريغ العمل من عمقه الفكري وتحويله إلى مجرد عرض استفزازي يفتقر إلى أي رؤية إصلاحية.
*شخصيات مبتذلة وحوارات خارجة عن القيم
تتسم شخصيات المسرحية بنمطية واضحة:
• أب فاسد
• زوج شاذ
• رسام مغتصب
• فتيات تتزوج بعضها
• دين متناقض يجسد النفاق.
هذا التقديم يفتقر إلى البُعد الإنساني أو العمق النفسي الذي يجعل الشخصيات أكثر واقعية أو تأثيراً. والأسوأ أن الحوار، المليء بالألفاظ النابية والصور الصادمة، ينحدر إلى مستوى يثير الاشمئزاز أكثر مما يحفز التفكير، مما يعكس خروج العمل عن الخطاب المسرحي الراقي إلى خطاب مبتذل يتنافى مع دور دائرة السينما والمسرح كجهة ثقافية رائدة، بحسب الموسوي.
*نقد الدين.. أم ازدراؤه؟
تصوير الدين كشخصية متناقضة تجمع بين رموز الأديان المختلفة لباس يشابهالمسيحي ومسبحة اليهود والخطاب إسلامي تتحدث بالمواعظ لكنها تمارس النفاق والانحراف، هو بلا شك طرح استفزازي. إلا أن تقديم هذا النقد بطريقة سطحية ومباشرة يجعله أقرب إلى ازدراء القيم الدينية من كونه معالجة فنية فكرية. وهنا تكمن المسؤولية الكبرى لدائرة السينما والمسرح، التي سمحت بتقديم هذا الطرح المُسيء تحت مظلتها.
*إساءة للمرأة أم دفاع عنها؟
رغم أن المسرحية تزعم الدفاع عن حقوق المرأة وكشف استغلالها في عالم الفساد، إلا أنها في الحقيقة تقدمها بشكل نمطي وضحية دائمة، بلا أي محاولة لإبراز قوتها أو مقاومتها الحقيقية وتحويلها لقاتل منهزم ومشاهد مثل اغتصاب عازفة البيانو أو تحول الراقصة إلى أداة لمواجهة الدين بطريقة مبتذلة، لا تعكس أي نضج فكري في معالجة قضايا المرأة، بل تستغلها كوسيلة لزيادة جرعة الإثارة والصدمة.
*علاقة مشوهة بين الفن والسياسة
يتضح من رمزية الجوكر السياسي والشخصيات المرتبطة به أن المسرحية تسعى لانتقاد السلطة والفساد السياسي. إلا أن العمل يفشل في تقديم نقد بناء أو حلول بديلة، بل يكتفي بعرض مظاهر الانحراف والفوضى. هذا الطرح ليس نقداً سياسياً ناضجاً، بل يعكس رؤية متشائمة وعقيمة لا تتماشى مع الدور الثقافي والتنويري المنوط بدائرة السينما والمسرح.
*اللغة والأخلاق الفنية: خط أحمر تم تجاوزه
المسرحية لا تكتفي بتقديم نقد قاسٍ للواقع، بل تتبنى لغة فجة وصادمة مليئة بالإيحاءات الجنسية والتعبيرات النابية. هذا التوجه لا يبرره الادعاء بنقل “الواقع كما هو”، لأن الفن الحقيقي لا يحتاج إلى الانحدار إلى هذا المستوى لإيصال رسالته. ما قدمته “الجدار” هو خروج عن الأخلاق الفنية المتعارف عليها، ومسؤولية هذا الانحدار تقع مباشرة على دائرة السينما والمسرح.
*رسالة بلا أمل.. جمهور بلا جدوى
النهاية التي ترسمها المسرحية، حيث يتحول الجميع إلى عميان يفقدون الصوت والرؤية، تعكس انعدام الأمل وفقدان أي رؤية للإصلاح. هذه النتيجة لا تخدم الجمهور الذي يحتاج إلى رسائل ملهمة تدفعه للتغيير، بدلاً من أن تتركه في حالة من الإحباط واليأس. وهنا يكمن الخلل الجوهري في العمل: ليس فقط في المضمون، بل في الأثر الذي يتركه على المتلقي.
*وزارة الثقافة ودائرة السينما والمسرح.. أين الرقابة؟
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: كيف سمحت وزارة الثقافة ودائرة السينما والمسرح بمرور عمل كهذا وبحضور وزير الثقافة؟ مؤسسة تحمل على عاتقها مسؤولية تقديم أعمال ترتقي بالمجتمع وتنتقده بأسلوب راقٍ لا يمكن أن تقبل بمسرحية كهذه تخرج عن كل سياق فني ورسالي. إن عرض “الجدار” بهذا الشكل يمثل فشلاً في الرقابة والتوجيه، ويعكس ضعفاً في تحقيق أهداف الدائرة كمؤسسة ثقافية.
*دعوة للمراجعة
إن تقديم مسرحية مثل “الجدار” لا يعكس فقط أزمة في مضمون المسرح العراقي، بل أزمة أعمق في مسؤولية الجهات الثقافية المنتجة. ووزارة الثقافة ودائرة السينما والمسرح مطالبة بمراجعة سياستها الفنية وضوابطها الإنتاجية لضمان أن تكون أعمالها منسجمة مع قيم المجتمع ومبادئ الفن الراقي. الفن مسؤولية، وما حدث في “الجدار” هو تخلٍّ واضح عن هذه المسؤولية.