انهيار جديد وخلل قديم.. سايلو الشطرة يكشف الفساد والإهمال بملف الصوامع ويهدد الأمن الغذائي في العراق

انفوبلس..
في مشهد صادم، وثّق مواطن لحظة انهيار أحد خزانات الحنطة المعدنية في سايلو الشطرة بذي قار، ما فجّر موجة غضب وتساؤلات عن فساد إداري وتقصير فني في مشروع بلغت كلفته مليارات الدنانير. الحادث كشف خروقاً في الطاقة الخزنية، وأثار تحركاً وزارياً عاجلاً للتحقيق والمحاسبة.
يوم أمس، وثقت كاميرا هاتف أحد المواطنين، انهيار أحد خزانات الحنطة المعدنية في سايلو الشطرة بمحافظة ذي قار، ما أثار موجة استياء وتساؤلات حول جودة المشاريع المنفذة في قطاع الخزن الغذائي.
الملابسات والأسباب
وكشف مصدر في شركة تجارة الحبوب بمحافظة ذي قار عن تعرض أحد المخازن المعدنية في سايلو الشطرة إلى الانهيار.
وقال المصدر، إن المخزن المنهار كان يستخدم لخزن الحبوب بكميات ضمن الطاقة الاستيعابية المحددة، والبالغة 1500 طن، مشيرا إلى أن الحادث وقع بشكل عرضي نتيجة الضغط الداخلي ولم تسبقه أي مؤشرات إنذارية أو مؤثرات خارجية.
وبيّن، إن سايلو الشطرة تم إنشاؤه بكلفة 11 مليار دينار، وقد أُنجز عام 2019 ودخل الخدمة الفعلية في عام 2020، ليُعد من بين المنشآت الحديثة في قطاع خزن الحبوب بالمحافظة.
وأضاف، إن الشركة المنفذة هي شركة بتكوس الألمانية وهي من الشركات الرصينة المختصة بإنشاء السايلوات المعدنية وقد أكملت أعمالها منذ عام 2022 وتم استلام السايلو استلاما أوليا بملاحظات تم تأشيرها من قبل لجنة الاستلام على أن يتم الاستلام النهائي بعد إكمالها. وأهم هذه الملاحظات هو استبدال القلابات الهيدروليكية بأخرى أمريكية المنشأ وتم حجز مبالغ التأمينات لهذا الغرض أما البقية فهي بسيطة تمت معالجتها منها كهربائية وميكانيكية.
وتابع، إن الذي حصل حدث ليس بالهيّن ويقف خلفه تقصير إداري كبير بتحميل السايلو أكثر من طاقته الخزنية بـ5 آلاف طن وهذا مخالف لتوجيهات الشركة التي شددت مرارا على أن الطاقة القصوى 27 ألف طن مع ترك بنزين فارغين لغرض المكافحة والتهوية ومداورة الخزين وكل هذا لم يحصل في ظل امتلاء السايلو بأكثر من طاقته الإجمالية.
تعليق نيابي
إلى ذلك، قال النائب أمير المعموري في بيان، إن "المخازن المعدنية (السايلو) تكلف الدولة 27 مليار دينار، فلماذا تتفجر؟"، مشيراً إلى أن "هذا المخزن اكتمل عام 2022، ورغم حداثته شهد حتى الآن انهيار 3 خزانات، مع توقعات بانهيار بقية (البنزات) أيضاً".
وأكد المعموري، إن "تكرار حوادث الانهيار يتطلب وقفة جادة ومحاسبة الجهات المسؤولة عن التنفيذ، مطالباً بكشف نتائج التحقيقات الفنية ومراجعة المعايير المعتمدة في مشاريع السايلوات".
لجنة وزارية
وعقب الحادث والضجة التي سببها، وجه وزير التجارة، أثير داود الغريري، بتشكيل لجنة تحقيقية فورية بشأن سايلو الشطرة.
وقالت الوزارة في بيان، إن "وزير التجارة، أثير داود الغريري، وجّه بتشكيل لجنة تحقيقية عاجلة برئاسة وكيل الوزارة للشؤون الاقتصادية، وعضوية المدير العام لدائرة الرقابة التجارية والمالية، وذلك للتحقيق الفوري في أسباب وملابسات ما حصل في سايلو الشطرة، والذي تم تسلمه من قبل الوزارة في عام 2022".
وأضافت، إن "اللجنة التحقيقية باشرت أعمالها بشكل فوري، وستعمل على جمع البيانات والمعلومات وتقصي الحقائق حول الموضوع، على أن يتم رفع تقرير مفصل بالنتائج إلى السيد الوزير خلال مدة أقصاها 72 ساعة".
وتابعت، إن "هذا الإجراء يأتي في إطار حرص الوزارة على تعزيز مبادئ النزاهة والمساءلة، والتعامل الجاد مع أي شبهات أو مخالفات تؤثر في كفاءة وأداء المنشآت التابعة لها".
وشدد الوزير، بحسب البيان، على "أهمية اتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية بحق أي جهة أو شخص يثبت تقصيره أو تسببه في أي خلل إداري أو فني، لضمان سلامة المال العام واستمرارية العمل في مشاريع الوزارة الحيوية".
مؤشر قبل 9 أعوام
يشار إلى أنه في عام 2016، وجهت وزارة التجارة بإيقاف العمل بمشروع سايلو الشطرة بسبب تشخيصها أخطاء تنفيذية، الأمر الذي واجه رفضا من قبل مجلس المحافظة.
وفي حينها، أعلنت اللجنة الاقتصادية في مجلس محافظة ذي قار اعتراضها على قرار وزارة التجارة بوقف العمل بمشروع سايلو الشطرة المعدني بعد أن حقق نسب إنجاز متقدمة فاقت الـ60%.
وقال رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية في المجلس رشيد السراي، إن "المحافظة فوجئت بقرار وزارة التجارة الاتحادية بسحب العمل من الشركة المنفذة لمشروع السايلو المعدني ووقف العمل كليا رغم بلوغ الإنجاز نسب متقدمة فاقت الـ60% ورغم وصول أغلب معدات المعمل الجديد الى موقع المشروع".
ورأى أن "قرارات وقف وسحب العمل لا تمثل حلا لمشاكل التنفيذ، لاسيما وأن مواد المعمل ستصبح عرضة للتلف في العراء وبالتالي ستتكبد الوزارة خسائر مالية نتيجة لذلك".
وبين، أن "المحافظة خاطبت الوزارة لإعطاء المشروع الأولية بين مشاريع الوزارة، فضلا عن أن وفدا من الحكومة المحلية سيزور وزير التجارة لبحث هذا الملف تحديداً".
وكان مقررا أن يعمل السايلو المعدني في قضاء الشطرة شمالي المحافظة، بطاقة خزنية قدرها 30 ألف طن ليعزز الطاقة الخزنية لصومعتي الناصرية والرفاعي.
خلل مزمن
لم يكن مشهد انهيار أحد خزانات الحنطة في سايلو الشطرة مجرد حادث عرضي كما حاولت بعض الجهات الترويج له، بل تجلٍ صارخ لسلسلة من الإخفاقات المتراكمة، التي تبدأ من الإهمال الإداري وتنتهي عند شبهة الفساد المالي والفني في مشاريع حيوية يُفترض أنها تخدم الأمن الغذائي للبلاد.
سايلو الشطرة، الذي صُمم بطاقة خزنية تصل إلى 30 ألف طن وبكلفة تجاوزت 11 مليار دينار، لم يصمد سوى سنوات قليلة قبل أن يتعرض لانهيارات متكررة في "البنزات"، رغم حداثة المشروع وتوقيع العقد مع شركة ألمانية يفترض أنها رصينة. تساؤلات كثيرة تُطرح حول عملية الإشراف والتنفيذ والاستلام، خصوصاً مع وجود ملاحظات تقنية مؤجلة، وعدم استكمال عملية الاستلام النهائي حتى بعد سنتين من إنجازه!
أحاديث أولية أشارت بوضوح إلى تجاوز في الحمولات المقررة، حيث تم تحميل السايلو أكثر من 5 آلاف طن فوق طاقته الفعلية، ما يُعد خرقاً واضحاً لتعليمات الشركة المنفذة ذاتها، والتي طالبت بترك بنزين فارغين لأغراض التهوية والمكافحة. هذا الإجراء لم يُنفذ، وهو ما فتح باب التساؤل: من يتحمل المسؤولية؟ الإدارة المحلية أم الجهات الفنية؟ أم أن كلا الطرفين متورطان في تجاهل شروط التشغيل الآمن؟
سرعة تشكيل لجنة تحقيق وزارية بعد الانهيار تعكس، من جهة، شعوراً بالضغط الشعبي والإعلامي، لكنها، من جهة أخرى، لا تمثل سابقة؛ إذ سبق أن شُكلت لجان مشابهة في حوادث انهيار خزانات أخرى دون أن تُعلن نتائجها أو تتم محاسبة واضحة. لذا، تبقى المخاوف قائمة من أن يتحول هذا التحقيق إلى مجرد حبر على ورق، خصوصاً في ظل غياب الشفافية حول نتائج لجان سابقة في ذات المشروع.
ذاكرة الفشل.. منذ 2016
ليست هذه المرة الأولى التي يُسلط فيها الضوء على مشروع سايلو الشطرة، فقد سبق لوزارة التجارة عام 2016 أن أوقفت المشروع بسبب "أخطاء تنفيذية" جسيمة، ما أدى إلى صراع إداري مع مجلس المحافظة آنذاك، الذي رفض القرار واستمر بالدفع باتجاه استكمال المشروع. هذا الصراع بين المركز والمحافظة تسبّب بسنوات من التعطيل والارتباك، سمح خلالها بهدر المال العام وتآكل المواد الموردة للمشروع تحت الشمس.
يتحدث المسؤولون عن "حرص على المال العام" و"محاسبة المقصرين"، بينما يقف المواطن أمام مشهد واضح: منشأة بمليارات الدنانير تنهار أمام عينيه، والنتيجة حتى الآن لجنة تحقيق أخرى في قائمة طويلة من اللجان، ومزيد من التصريحات التي لم تعد تقنع أحداً.
وفي ظل غياب تقارير فنية محايدة، وعدم نشر تقارير الاستلام والمطابقة والفحص الهندسي، فإن تكرار مثل هذه الحوادث يطرح تساؤلاً أوسع: هل نحن أمام نمط ممنهج من مشاريع وهمية أو ناقصة التنفيذ؟ وهل هناك نية سياسية حقيقية لإعادة النظر بمنظومة التعاقد والتنفيذ في مشاريع الأمن الغذائي، أم أننا سنبقى ندور في حلقة بيانات التنديد والوعود بالمحاسبة؟