باحثا ومناضلا.. "انفوبلس" تسرد السيرة الذاتية للشيخ حسين چلوب الساعدي "أبو مسلم" وقصة حياته
انفوبلس/ تقرير
غيّب الموت خلال العام الماضي 2024، الكاتب والباحث والمناضل حسين چلوب حردان المانعي الساعدي "أبو مسلم" بعد عطاء كبير في المسيرة الجهادية والنضالية الوطنية والفكرية والدينية والحقوقية، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" على سيرته الذاتية وقصة حياته والذي كان مقرباً من الشهيد عز الدين سليم ومحمد هادي السبيتي المؤسس الحقيقي لحزب الدعوة الإسلامية.
*تفاصيل وفاته
توفي الحاج حسين جلوب حردان (أبو مسلم الساعدي) مدير مديرية حقوق الإنسان في هيئة الحشد الشعبي، في الـ20 من شهر أيلول/سبتمبر الماضي 2024، إثر نوبة قلبية في العاصمة بغداد بعد عطاء كبير في المسيرة الجهادية والحقوقية.
وذكر الأمين العام لهيئة الحشد الشعبي الفريق الأول الركن تحسين عبد مطر وقتها، "نتقدم بخالص التعازي والمواساة بوفاة المجاهد الأستاذ حسين جلوب الساعدي مدير مديرية حقوق الانسان في هيئة الحشد الشعبي"، مضيفا، "لقد كان الفقيد مجاهدا وباحثا كبيرا واحتفظ بمسيرة جهادية حافلة بالعطاء في مقارعة الدكتاتورية الصدامية واذنابه الدواعش وتنوير الرأي العام بجرائمهما الإرهابية الوحشية".
وكان جثمان الراحل وصل الى مثواه الأخير في النجف الاشرف، حيث تم أداء مراسم الزيارة والطواف بالجثمان في المرقد الطاهر لأمير المؤمنين الامام علي (ع) بمرافقة جموع من المشيّعين من ذوي الفقيد ومحبيه، قبل أن يوارى الثرى. كما شهدت العاصمة بغداد حينها، تشييعا مهيبا للفقيد بحضور رسمي وشعبي غفير.
في المقابل، نعى حزب الدعوة الإسلامية، الحاج حسين جلوب حردان "أبو مسلم الساعدي" الذي التحق الى جوار ربه بعد حياة قضاها بالتقوى والعمل الصالح. وذكر المكتب الإعلامي للحزب في بيان، "يتقدم حزب الدعوة الإسلامية بأحر التعازي وأصدق المواساة برحيل الأخ (الحاج حسين جلوب حردان - أبو مسلم الساعدي) إلى جوار ربه الكريم، بعد حياة عامرة بالعمل الصالح والدعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وجهاد أعداء دينه، وهو ما اضطره إلى الهجرة عن وطنه، وواصل جهاده من هناك حتى تحققت للعراق وشعبه حريته وخلاصه من قبضة الدكتاتورية البعثية البغيضة.
وكان الراحل مهتما بالشؤون الفكرية، وباحثا مصنفا للعديد من الكتب في المجالات السياسية والدعوية، بحسب البيان.
من هو حسين چلوب الساعدي؟
وُلد الكاتب والباحث حسين الساعدي في محافظة ميسان ونشأ وترعرع فيها في عقد الستينيات من القرن المنصرم (1967)، وتأثر بالحركة الاسلامية آنذاك وانخرط في صفوفها منذ صباه، وآمن بالحركة الاسلامية الرسالية وبخط الجهاد ومقارعة الظالمين، ونتيجة لمضايقات الأجهزة القمعية الصدامية، هاجر أبو مسلم إلى إيران.
وكان مقرباً من المحقق السيد مرتضى العسكري ونهل من معارفه الكثير وسار على نهجه في البحث والتحقيق لاسيما فيما يخص الأبحاث الدينية والتاريخية والاجتماعية والفلكور الشعبي، وكذلك كان من ضمن الدائرة الجهادية المقربة من الشهيد عز الدين سليم، فقد انتمى لصفوف حزب الدعوة وهو في مقتبل عمره وريعان شبابه، وقدم الغالي والنفيس من اجل الوطن والمذهب والإسلام، ولم تبدل الغربة أخلاقه ولم تغير الهجرة طباعه الجنوبية الاصيلة، إذ كان بيته ملتقى للعراقيين المهجرين والمهاجرين، فهو دائم التواصل مع ابناء جلدته، وكان طيب النفس وكريم الطبع لاسيما فيما يخص تقديم الطعام للإخوان واقراء الضيوف بما لذ وطاب من الأطعمة، وفقا للكاتب العراقي رياض سعد.
وبعد عودته الى ربوع الوطن عام 2003، عقيب سقوط النظام البعثي الغاشم، شرع بالعمل الثقافي والفكري والسياسي الجاد من اجل النهوض بالواقع العراقي عموما والعماري – الميساني- على وجه الخصوص، اذ أسس مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية في محافظة ميسان بتاريخ 15 /12 /2003، و هي مؤسسة ثقافية علمية تهدف إلى رفع المستوى الثقافي والفكري وإشاعة الحوار الديمقراطي وثقافة حقوق الإنسان وإرساء ونشر قواعد العدالة والتسامح من اجل بلورة أفكار ومشاريع استراتيجية تدعم مسيرة الإصلاح والتحول الديمقراطي في مجتمع مدني حر ينشد الحياة الكريمة، وتمتلك المؤسسة اكبر مكتبة في محافظة ميسان من كتب متنوعة ثقافية وفكرية وبلغ عدد كتبها (12000) ثم ارتفع العدد فيما بعد مع ما توفره من قاعة كبيرة للقراءة والمطالعة، وكذلك تمتلك المؤسسة مركز انترنيت ومعهد لتعليم الحاسبات واللغات.
وقد أصدرت المؤسسة (34) بحثاً ودراسة حول الثقافة والحوار والديمقراطية وحقوق الإنسان وحل النزاعات وحقوق المرأة والفدرالية والدستور والأهوار في جنوب العراق، فضلا عن الكثير من المشاريع والفعاليات التنموية والثقافية والندوات والحلقات الفكرية.
وقد اشترك في الجمعية الوطنية عقب سقوط النظام، وعمل في وزارة حقوق الانسان، ثم أصبح مديرا لدائرة حقوق الانسان في الحشد الشعبي، وساهم في الانشطة السياسية والفعاليات الوطنية والتصدي لكل مؤامرات الاعداء، وعمل على تثبيت جذور العملية السياسية الجديدة والتجربة الديمقراطية في العراق.
وللمرحوم الموسوعي حسين الساعدي العديد من الابحاث والمؤلفات والدراسات ومنها: ولادة الرسول الاعظم، تعريف الديمقراطية، الفدرالية واقليم الجنوب.. المقومات والافاق، التعددية في العراق وأثرها في كتابة الدستور واقراره، الدستور والشريعة الإسلامية، مراجعات في فكر ومسيرة الدعاة، الخطاب السياسي لدعـــــــاة إقليم الجنوب، التواصل والحوار شرط أساسي للبناء والثقافة، التعددية في العراق، ابجديات النهوض الثقافي، الهوية الوطنية في العراق، ثقافة الدعوة الإسلامية، الاقليات العراقية من العذاب الى التمكين، المعلى بن خنيس وغيرها.
ولديه كتاب مخطوط يعتبر من اهم الدراسات والابحاث الخاصة بطبيعة الاهوار العراقية وعادات وتقاليد أهلها، وبحسب الكاتب، فان المرحوم حسين الساعدي يمتاز بالموضوعية والموسوعية وبالتحقيق والتنقيب عن الاثار الاركولجية و المواضيع الانثروبولجية، اذ يمتاز بطول الباع والخبرة الطويلة والمتراكمة في معرفة جغرافيا الجنوب العراقي ولاسيما الاهوار، فضلا عن الاحاطة بتاريخ تلك المناطق والغوص في اسرارها، ومعرفة عادات وتقاليد وثقافة اهل الجنوب معرفة تفصيلية، فما من كتاب او بحث او دراسة تخص تاريخ العراق والجنوب على وجه التحديد لرحالة اجانب او عرب او مؤرخين او كتاب الا وقرأها الاستاذ القدير والباحث الموسومي ابو مسلم الساعدي واستخرج منها الدفائن وازال الغبار عن معلوماتها التاريخية.
ويقول الكاتب سعد رياض، "فعندما تجلس معه وتناقشه في طبيعة الجنوب وتاريخه وعشائره، يبهرك باطلاعه الواسع وتحليله العلمي وفكره الرصين ومعلوماته الموثوقة، ولا غرو في ذلك فلا ينبئك مثل خبير، وما تجده عنده في هذا الجانب قد لا تجده عند غيره، لأنه ابن الجنوب الاصيل وربيب الاهوار، فهو أدرى بها من غيره".
اما الكاتب العراقي سمير السعد، فقد بين انه في رحيله، فقدنا إحدى القامات الفكرية والأدبية والإسلامية التي تركت بصمة عميقة في الساحة الثقافية والفكرية والإسلامية. حسين جلوب الساعدي، المعروف باسم "أبا مسلم"، كان من أبرز المفكرين الإسلاميين والصحفيين والمثقفين الذين كرّسوا حياتهم لخدمة الكلمة والقلم، مستنيرًا بقيم الإسلام ومبادئه، ومبديًا اهتمامًا خاصًا بقضايا العدالة الاجتماعية، الثقافة الإسلامية، وأهمية الحوار الثقافي.
وُلد حسين جلوب الساعدي في بيئة تقدر العلم والثقافة، وكان نهجه الفكري منذ البداية مبنيًا على المزاوجة بين الدين والفكر، ليصبح من أبرز الشخصيات التي كانت تطرح قضايا العصر من منظور إسلامي حداثي. تميز بفهمه العميق للأحداث الجارية وبقدرة فذة على تحليلها في إطار تاريخي وديني متكامل، وفق قول الكاتب.
إلى جانب فكره الواسع، برز الساعدي كأديب يمتاز بأسلوبه الرشيق والمعبر، حيث خط العديد من المقالات والكتب التي تناولت قضايا أخلاقية واجتماعية وإسلامية. كان يؤمن بأهمية الكلمة في تغيير الواقع الاجتماعي، وكان صوتًا جريئًا يصدح بالحق في زمن أصبح فيه قول الحقيقة تحديًا.
ويتابع، إنه في مسيرته كصحفي، كان حسين جلوب الساعدي لا يكتفي بنقل الأخبار، بل كان دائمًا يبحث عن جوهر الأمور، مقدّمًا رؤية شاملة ومستقلة عن الأحداث. عمله الصحفي كان امتدادًا لفكره، حيث كان يطرح تساؤلات جريئة ويناقش قضايا شائكة، متسلحًا بمبادئه الراسخة في الدفاع عن المظلومين ودعم الإصلاحات المجتمعية. لم تكن مواقفه منصفة فقط بل كانت نابعة من إيمان عميق بضرورة تحقيق العدل والكرامة الإنسانية.
كان قلمه الحر سلاحًا في وجه الظلم والتطرف، ودوره كصحفي لا يُنسى في تغطية القضايا الحساسة التي تواجه الأمة الإسلامية والعربية، مما جعله مرجعًا للعديد من الشباب الطامحين إلى دخول مجال الإعلام والفكر، بحسب الكاتب الذي أكد ان رحيل حسين جلوب الساعدي ترك فراغًا كبيرًا في الساحة الفكرية والإعلامية والإسلامية. كان مفكرًا عميقًا، صحفيًا نزيهًا، وأديبًا حساسًا تجاه هموم مجتمعه وأمته مفكرا اسلاميا أغنى المكتبات بكتب كثيرة وثرية، سيبقى أثره في الأجيال القادمة، ليس فقط بما قدمه من أعمال، ولكن أيضًا بما تركه من قيم ومبادئ يجب أن تظل حية في عقولنا وقلوبنا.
خسارته فادحة، لكن ذكراه ستبقى حية، ليس فقط في قلوب من عرفوه، بل في كل من قرأ أفكاره وتأثر بها.
بعد رحيل حسين جلوب الساعدي "أبو مسلم"، يبقى السؤال عن كيفية الحفاظ على إرثه الفكري والأدبي حيًا. فقد كان لا يكتفي بالكتابة فقط، بل كان صاحب مشروع نهضوي يسعى لإحياء الروح الإسلامية في المجتمع من خلال الفكر والإبداع. ترك بصمة لا تُنسى في المجالات التالية – وفق الكاتب-:
أبو مسلم لم يكن مجرد ناقل للأفكار الدينية، بل كان يطرح رؤى تجديدية، تعكس فهمه العميق للعصر ولتحدياته. كان يؤمن بأن الإسلام دين حيوي ومرن، يمكنه التكيف مع التغيرات الاجتماعية والسياسية، إذا ما تم تفسيره بشكل عقلاني ومنفتح. دافع عن فكرة أن النهضة الإسلامية تحتاج إلى تجديد شامل، يشمل التعليم، الفكر، والاجتماع، ودعا دائمًا إلى إعادة قراءة النصوص الدينية بما يتناسب مع مستجدات العصر.
من خلال مقالاته وأعماله الأدبية والفكرية والإسلامية، كان حسين الساعدي من أبرز المدافعين عن الحوار بين الثقافات. كان يرى أن الحوار هو السبيل الأوحد للتغلب على سوء الفهم المتبادل بين الأمم، ودائمًا ما كان يدعو إلى التفاهم والتسامح كأساس لبناء مجتمع سليم. كان يرى في الحوار بين الإسلام والحضارات الأخرى فرصة لإبراز القيم الإنسانية في الإسلام، وتشجيع الآخرين على فهمه بعيدًا عن الصور النمطية.
أما في الأدب، فقد تميز أسلوب حسين الساعدي بصدق المشاعر وعمق الأفكار. كانت كتاباته تعكس اهتمامه بالقضايا الأخلاقية والإنسانية. كتب عن معاناة الإنسان، وعن البحث المستمر عن الحقيقة. وكانت أعماله الأدبية دائمًا ما تتناول قيم العدل والمساواة، والتأكيد على أهمية عمل الخير في حياة الفرد والمجتمع. كان يسعى من خلال الأدب إلى إيقاظ الضمير الجمعي، وتحفيز الناس على التفكير والتأمل.
عمله في الصحافة كان نموذجًا يُحتذى به في النزاهة والشجاعة. كان يدرك جيدًا أن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل رسالة سامية يجب أن تُحمل بأمانة ومسؤولية. لقد اتسمت مقالاته بالدقة والموضوعية، وكان دائمًا ما يلتزم بالحقائق، حتى وإن كانت مواقفه تعرضه للانتقاد أو الضغوط. كان يؤمن بأن يجب أن يكون صوت المظلومين، وأن يكون شاهدًا على الحقائق، لا متحيزًا لمصالح الصحفي شخصية أو أجندات سياسية.
رحيل حسين جلوب الساعدي الإنسان لا يعني نهاية أثره. فالأجيال الجديدة من المفكرين والصحفيين لا تزال تستلهم من فكره وقلمه. لا سيما في وقتنا الحالي، حيث يعاني العالم الإسلامي من العديد من التحديات، فإن الحاجة إلى مفكرين يحملون رسالة الساعدي باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى. كان يرى أن الأمل في مستقبل أفضل يكمن في الجيل الصاعد، وفي قدرتهم على إعادة بناء المجتمعات بالاستناد إلى قيم الحق والعدل.
واختتم الكاتب بالقول، "رغم أن حسين جلوب الساعدي أبو مسلم قد رحل عن دنيانا، إلا أن إرثه سيظل خالدًا. سيظل فكره حيًا في قلوب من قرأوه وتأثروا بكتاباته. وإن كان هذا الفقد مؤلمًا، فإن عزاءنا يكمن في الأثر الذي تركه، وفي الأجيال التي ستواصل طريقه، حاملة رسالته في نشر القيم الإسلامية الإنسانية ونصرة الحق".