بين مطرقة الإعدام وسندان الإهمال.. الحيوانات في العراق بمواجهة تحديات البقاء

انفوبلس/ تقرير
تتعرض الحيوانات في العراق إلى تعنيف مستمر سواء بشكل متعمد أو غير متعمد وذلك بسبب النقص في الوعي البيئي وغياب المؤسّسات المعنيّة بحماية الحيوانات بالإضافة إلى عدم توفّر قانون فاعل يرعى هذا الموضوع، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" الضوء على هذه الظاهرة المنتشرة حديثاً والموقف القانوني منها.
تعذيب الحيوانات
أبدى العراقيون غضباً واسعاً في الآونة الأخيرة من جراء انتشار مقاطع فيديو متعددة تظهر تعاملا قاسيا مع حيوانات أليفة يرتكبها شبان ومراهقون وحتى أطفال صغار، بعضها جرى نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واخرها ما حصل في محافظتي بغداد وكركوك.
وأثار مقطع فيديو "بشع" تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم السبت الماضي، حالة من الغضب والاستنكار في محافظة كركوك، ظهر فيه شخص يقوم بذبح سلحفاة بطريقة وحشية في ناحية آلتون كوبري شمال المحافظة. ويُظهر الفيديو أحد الأشخاص وهو يربط السلحفاة من عنقها بحبل ويعلقها على جدار، ثم يقطع رأسها باستخدام أداة حادة تُعرف محلياً باسم "الگَتر"، بينما يوثق الحادثة بالصوت والصورة، في مشهد وصفه المتابعون بـ "البربري والمقزز".
وأشار ناشطون إلى أن السلحفاة من المحتمل أن تكون من نوع "سلحفاة الرفش"، وهي سلحفاة برية منتشرة في العراق، معروفة بطبعها الهادئ وعجزها عن الدفاع عن نفسها، ما زاد من حدة الغضب تجاه الطريقة الوحشية التي تم التعامل بها معها.
وقال الناشط المدني أيمن محسن، وقتها، إن "الفيديو بشع بكل المقاييس، ومن ظهر فيه مجرم مارس تعذيباً ضد كائن حي بوحشية لا تمت للإنسانية بصلة"، مطالباً بـ "اعتقال الفاعل ومن صوّر الواقعة فوراً". من جهته، اعتبر المواطن أحمد عبد الله، أن "من صوّر الفيديو شريك في الجريمة، ويجب اعتقاله إلى جانب مرتكب الفعل"، مضيفاً أن "هذه التصرفات مرفوضة في المجتمع العراقي، حتى لو كانت السلحفاة قد تم اصطيادها، فلا يحق لأي كان ذبحها بهذه الطريقة الوحشية".
وفي السياق ذاته، أوضح الخبير القانوني سمير خالد، أن ما ورد في الفيديو يمثل "انتهاكاً صريحاً لحقوق الحيوان"، ويعد جريمة وفق المادة 477 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، التي تنص على معاقبة من يسيء معاملة الحيوانات أو يعرضها للتعذيب المتعمد.
ورغم عدم وجود قانون خاص لحماية الحيوانات في العراق، أشار خالد، إلى أن "هذا الفعل يندرج ضمن الجرائم الأخلاقية التي تعاقب عليها القوانين النافذة، إضافة إلى مخالفته الاتفاقيات البيئية الدولية التي صادق عليها العراق".
أما في بغداد، فقد كانت مواقع التواصل الاجتماعي تناقلت، قبل أيام، مقطع فيديو يتضمن قيام شخص برمي قطة من أعلى جسر في نهر دجلة. لكن أفاد مصدر أمني في السابع من الشهر الجاري، بإن "قوة امنية تلقي القبض على شخص أقدم على رمي قطة من اعلى أحد الجسور باتجاه النهر في بغداد وتم تصوير فعلته ونقلها على مواقع التواصل الاجتماعي".
في المقابل، أكدت وزارة البيئة العراقية في بيان صدر في 27 إبريل الماضي، أنها بصدد اتخاذ إجراءات قانونية بحق من يثبت تورطه في أي عمل عنيف ضد الحيوانات، وأنه جرى التنسيق مع وزارة الداخلية لرصد مقاطع الفيديو والصفحات التي تنشر هذه الأفعال. وعلى الرغم من معاقبة القانون العراقي مرتكبي العنف ضد الحيوانات بما يشمل عقوبات مالية والسجن لفترات تتراوح بين 3 أشهر وسنة، لكن هذه العقوبات شبه معطلة أو غير معمول بها.
وتحرص العديد من الأسر على وضع الطعام أمام المنازل كي تستفيد منه القطط والكلاب والطيور. تقول عواطف عباس "أم زهير"، "يعتبر العراقيون أن هذه الحيوانات زوار يرسلها الله، وأن لنا في إطعامهم وتوفير الأمان لهم أجرا عظيما. اعتدت إطعام القطط التي تمرّ يومياً أمام منزلي، وكذا الكلاب الصغيرة، وهي عادة قديمة ورثتها عن والدي".
تواصل حديثها بانفعال وهي تتحدث عن إحدى القطط التي تطعمها باستمرار، قائلة: "القط الأبيض الجميل الذي كان دائماً يجلس على حافة سور منزلي، سمعته يصرخ بعدما ركله شاب بقوة، ما أدى إلى كسر ساقه. هذه الأفعال تؤلمني، خاصة أنها باتت تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ويشعر بعض الأشخاص بفخر وهم يعذبون الحيوانات الضعيفة".
ويكرر العراقيون آيات قرآنية وأحاديث نبوية وحكايات وقصصا من التراث الإسلامي تتحدث عن الرفق بالحيوان، وهو أيضاً ما يحرص الآباء على ترسيخه بين عوائلهم. ويؤكد العراقي أحمد حسين أنه زرع بين أفراد عائلته أن كل إساءة لحيوان أليف هي فعل حرام.
وتوضح الطبيبة البيطرية نور جوهر، أن "الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 14-15 سنة اعتادوا على التلقين الخاطئ من قبل أهاليهم، ورسموا صورة لهم على أن الحيوانات قذرة وغير نظيفة وكائنات غير سوية". وتضيف جوهر، أن "حالات عديدة عالجتها لحيوانات يجلبها المنقذون مصابة بكسور في المفاصل، أو مدهوسة بسيارات أو متهشمة أحد الفكوك أو محترقة بماء ساخن من دون رحمة، وكل هذه الأفعال نتاج ممارسات البشر، ولم تردني حالة لحيوان يفتك بآخر".
وتشرح الطبيبة البيطرية، إحدى الحالات الصعبة التي واجهتها، وهي استقبالها لحالة "تتعلق بكلب تعرض لطلقة طشارية، إذ اضطررت لبتر الفك بأكمله، ورممته بإضافة أغشية الكولاجين كي أعزل الجهاز التنفسي عن الفموي، حتى لا ينزل الماء الذي يشربه إلى الرئة فيتسبب بالاختناق، والآن هو بأفضل حال".
وبدأ الاهتمام في الآونة الأخيرة بتربية الحيوانات الأليفة وبمختلف أنواعها سواء الطيور أو الكلاب والقطط وزادت المحال التي تبيع مستلزماتها المتنوعة، لكن رغم هذا تنقل مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات وصورا ينشر فيها تعنيف للحيوانات سواء بضربها أو قتلها، ما أدى إلى القيام بحملات منظمة من قبل مربي الحيوانات، وكذلك تبرع الكثير من الشباب للعمل كمنقذين بصفتهم التطوعية.
وبين فترة وأخرى، تنفذ الشرطة المجتمعية وبالتعاون مع منظمات أخرى، حملات لانتشال الكلاب من الطرقات، فيما تتجه بعض المحافظات الى قتل الكلاب، وقد نفذت أكثر من حملة من هذا النوع. وكانت آخر حملة أطلقت في العاصمة بغداد خلال السنة الماضية، لانتشال الكلاب، بالتعاون مع أطباء بيطريين ومدربين للكلاب.
وتقول الباحثة الاجتماعية والحقوقية نوال إبراهيم، انه الواضح أن من يرتكب مثل هذه الجريمة بحق حيوان مغلوب على أمره وبهذا الشكل الهمجي، مختل أو مضطرب نفسيا وعقليا، أو أنه يتعاطى المسكرات ويتسم بسلوك عدواني، أو أنه مستهتر وباحث عن الشهرة الافتراضية، وهو على أي حال يحتاج لكشف طبي حتى يتم التثبت من طبيعة دوافعه.
وتقول انه بغض النظر عن الخلفيات، فإن ثمة جرما شنيعا وقع وبسبق إصرار وترصد، حيث يظهر في الفيديو وبشكل واضح أنه سيلقي بالقطة من على حافة الشرفة بدافع قتلها، بل ويصور نفسه كقاض يتلو حكم الإعدام بحق القطة، وهذا ما يزيد الأمر فظاعة. لهذا من الضروري اعتقاله وإخضاعه لفحوص طبية ونفسية وتقديمه للمحاكمة، فإن ثبت أنه بالفعل يعاني اضطرابا نفسيا أو إدمان مسكرات أو مخدرات وما شابه، فيعود للمحكمة تقدير الموقف والعقوبة.
بخلاف ذلك، فإن بينت التحقيقات مثلا أنه قد ارتكب هذا الفعل الفظيع للشهرة ولنشر مقطع الفيديو الذي صوره بنفسه لحصد المشاهدات، فمن الضرورة إنزال عقوبة صارمة ورادعة بحقه، كونه قد أزهق روحا، بحسب الحقوقية الذي بينت ان القانون العراقي يعاقب على قتل الحيوانات والاعتداء عليها، بالسجن والغرامة المالية، وتتراوح مدة العقوبة ما بين 3 أشهر وسنة كاملة.
يشار إلى أن الكثير من المواطنين والمنظمات تتحفظ على طرق معالجة انتشار الكلاب، وهي القتل بالخراطيش أو المواد السامة، وتؤكد أن تقديم اللقاحات وتوعية المجتمع بطريقة التعامل مع الحيوانات هي الحل الأفضل.