تحديات تقنية واجتماعية تثير قلق المواطنين.. جدل حول مشروع أتمتة البطاقة التموينية في العراق

انفوبلس/ تقرير
ضمن مشروع التحول إلى الأتمتة الإلكترونية في المعاملات الحكومية الذي تبنّاه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ضمن برنامجه الحكومي، أطلقت وزارة التجارة مؤخراً مشروع أتمتة البطاقة التموينية كخطوة إصلاحية تهدف إلى ضمان عدالة التوزيع وتحسين كفاءة النظام الغذائي المدعوم، لكن برزت على أرض الواقع تحديات تقنية واجتماعية سنتطرق لها في تقرير شبكة "انفوبلس".
وكانت البطاقة التموينية قد صدرت للمرة الأولى في العراق عام 1990 بعيد غزو العراق الكويت، في محاولة من الحكومة العراقية آنذاك لتخفيف الآثار الاقتصادية التي تسبب بها فرض مجلس الأمن الدولي حصارا اقتصاديا على العراق نتيجة الغزو.
وكان الهدف من اعتماد البطاقة حصول كل أسرة داخل العراق على حصة غذائية شهرية بسعر رمزي، توزع من قبل وزارة التجارة عبر وكلاء التموين في مراكز التموين في كل منطقة ومدينة ومحافظة، لكن سرعان ما تحولت البطاقة التموينية إلى وثيقة رسمية معتمدة بشكل رئيسي في دوائر الدولة العراقية.
وتتضمن البطاقة التموينية اسم مُعيل الأسرة واسم المحلة والزقاق والدار وعدد أفراد العائلة واسم وكيل التوزيع عموما، وعلى الرغم من عدم توفر إحصائية حديثة بعدد الوكلاء فإن تقارير تشير إلى وجود نحو 45 ألف وكيل يتولون توزيع المواد الغذائية.
مشروع أتمتة البطاقة التموينية
ووفقاً لتصريحات وزير التجارة أثير داود الغريري، فإن المشروع يمثل إحدى الركائز الأساسية في البرنامج الحكومي لتحديث نظام البطاقة التموينية وتأمين "قوت المواطن" بآليات حديثة وشفافة.
والمشروع يعتمد على استخدام البطاقة الوطنية الموحدة وتطبيقات الهواتف الذكية المتوفرة عبر منصتي (App Store) لأجهزة الآيفون و(Google Play لأجهزة الأندرويد، كما يأتي المشروع ضمن إطار البرنامج الحكومي لإصلاح نظام البطاقة التموينية، بهدف إعداد قاعدة بيانات دقيقة للمستفيدين، تبسيط الإجراءات الإدارية، وتقليل الروتين، وتعزيز الرقابة على المال العام، مما يسهم في تحسين جودة وكمية المواد الغذائية المجهزة، بحسب وزارة التجارة.
وعما إذا كانت أتمتة البطاقة التموينية ستعالج مشكلة وجود عشرات آلاف الأسماء الوهمية التي تتلقى مواد غذائية من خلال البطاقة التموينية الورقية، يقول المتحدث باسم وزارة التجارة محمد حنون، إن البطاقة الإلكترونية ستساعد في السيطرة على الأفراد المسجلين فعلياً في البطاقة التموينية من الموجودين داخل البلاد، فضلاً عن منع التكرار والأسماء الوهمية.
ويؤكد حنون، أن البطاقة التموينية الإلكترونية ستساهم في معالجة المشكلات الحالية، حيث ستتيح للمواطن مخاطبة المركز التمويني والتحقق من المواد الموجودة من خلال تطبيق ذكي على الهاتف أطلق عليه "البطاقة الإلكترونية"، فضلا عن دورها في إيصال كل ما يتعلق من خدمات للمواطنين الذين سيتمكنون من خلال التطبيق طلب ما يحتاجونه، حسب قوله.
ولا تقف المزايا عند هذا الحد، إذ يضيف حنون، أن البطاقة الإلكترونية ستتيح للمواطن معرفة المواد الغذائية والمنشأ والكمية وتاريخ وصولها إلى الوكلاء وموعد تجهيزها، كما ستوفر قاعدة بيانات كبيرة من خلال استبيان يضم 35 سؤالا ستساعد الإجابة عنها وزارة التجارة في تحديد العوائل التي تحت خط الفقر لغرض استهدافها ببرنامج البطاقة التموينية، كما أشار المتحدث باسم الوزارة مؤخراً.
تحديات تقنية واجتماعية
ورغم هذه الأهداف الطموحة، برزت على أرض الواقع تحديات تقنية واجتماعية أثارت قلق شرائح واسعة من المواطنين، لا سيما أولئك الذين يفتقرون إلى بطاقة موحدة، أو لا يجيدون التعامل مع التطبيقات الإلكترونية، أو لا يمتلكون هواتف ذكية حديثة.
كما سُجلت حالات حجب فرد أو أكثر من أفراد الأسرة بسبب مشكلات في قبول البطاقة ضمن المنصة الرقمية، ما أثار تساؤلات حول مدى شمولية النظام الجديد وقدرته على استيعاب جميع الفئات.
من بين آلاف المواطنين الذين واجهوا صعوبات في تحديث بيانات البطاقة التموينية، يروي مروان العبادي، وهو رب أسرة متقاعد، تجربته مع المنصة الإلكترونية الجديدة التي وصفها بـ"المعقدة وغير الملائمة لشرائح واسعة من المجتمع". ويقول العبادي، "أنا لا أجيد استخدام البرامج الإلكترونية، فاضطررت إلى الاستعانة بابني الأكبر للقيام بعملية التحديث، لكنه هو الآخر وجد الأمر شاقاً ومليئاً بالعقبات".
ويشرح العبادي تفاصيل تلك الصعوبات قائلاً: "البرنامج يطلب تصوير وجوه أفراد الأسرة بشكل دقيق جداً، ويطالب بتوجيه الرأس إلى اليمين واليسار، ثم إلى الأعلى والأسفل، وهذا الإجراء تكرر مع كل فرد من أفراد الأسرة، ونحن سبعة أشخاص. أي خطأ بسيط أو اهتزاز في الصورة يعيدك إلى نقطة الصفر".
وأضاف: "البرنامج ثقيل جداً، ويتطلب اتصالاً سريعاً بالإنترنت، وهو أمر لا يتوفر لدى كثير من الأسر، خصوصاً في المناطق الشعبية أو الريفية. ما إن نكاد ننهي إدخال بيانات معظم أفراد الأسرة، حتى يتوقف التطبيق فجأة، ليُجبرنا على إعادة العملية من بدايتها". وتساءل العبادي، وهو يتحدث بعفوية: "هل يُعقل أن يتحول الحصول على قوت الناس إلى معركة مع التكنولوجيا؟ لماذا هذا التعقيد؟".
أما في منطقة الراشدية شمال شرقي بغداد، فيواجه المواطن صباح نوري تحدياً من نوع مختلف. فهو لم يباشر حتى الآن بعملية تحديث بطاقة السلة الغذائية، ليس لعجز تقني أو لعدم امتلاك هاتف ذكي، بل بسبب رفضه إدخال الإنترنت إلى منزله من الأساس. ويوضح نوري موقفه قائلاً: "لا أرغب بوجود الإنترنت في البيت؛ لأنه يشغل أفراد الأسرة عن عملهم، فنحن نعتمد على الزراعة والحصاد، وأي انشغال بالهاتف قد يؤثر في الإنتاج".
هذا الموقف، الذي قد يبدو غريباً في المدن، يعكس واقعاً اجتماعياً حقيقياً في بعض المناطق الريفية، حيث لا تزال الأولويات الحياتية مختلفة عن بيئة الحضر، ويُنظر إلى التكنولوجيا أحياناً بوصفها مصدر تشتت لا وسيلة تسهيل.
وتابع نوري حديثه: "سأضطر إلى اصطحاب أفراد الأسرة إلى إحدى المكتبات القريبة من المنطقة لإتمام التحديث، وهذا يعني وقتاً وجهداً وتكاليف إضافية، فقط لنحصل على حصتنا الغذائية الشهرية".
وفي الجانب الآخر من هذه المعادلة، يشعر بعض أصحاب المكتبات ومراكز الطباعة بالضغط المتزايد جراء توافد المواطنين لإتمام عملية التحديث الإلكتروني، خاصة من أولئك الذين لا يمتلكون الوسائل التقنية أو الخبرة الكافية. مصطفى ليث، صاحب إحدى المكتبات في منطقة الأعظمية، يؤكد أن الطلب على تحديث البطاقة التموينية أصبح يومياً ومتزايداً، لكنه غالباً ما يضطر إلى رفض تقديم هذه الخدمة للأسر الكبيرة.
ويشرح قائلاً: "عدد كبير من الأسر تحضر بجميع أفرادها وبطاقاتهم الموحدة لتحديث السلة الغذائية، لكنني أعتذر عن تقديم هذه الخدمة، خصوصاً عندما تكون الأسرة مكونة من خمسة أفراد أو أكثر. فالتحديث مرهق جداً، ويتطلب وقتاً طويلاً وجهداً مضاعفاً، بدءاً من إدخال البيانات الدقيقة وصولاً إلى التقاط الصور وفق متطلبات التطبيق الصعبة".
ويلفت ليث إلى أن بعض المكتبات التي تقبل القيام بهذه الخدمة تفرض رسوماً تتراوح بين 2000 إلى 3000 دينار عن كل فرد، أي أن الأسرة المكونة من ستة أشخاص مثلاً قد تضطر لدفع ما بين 12 إلى 18 ألف دينار، وهو مبلغ ليس بالبسيط بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود.
على الجانب الآخر، لم يستبعد المتخصص في مجال تكنولوجيا المعلومات حسن فلاح فخر الدين احتمالية وجود مخاطر في حالة أتمتة البطاقة التموينية، معللا ذلك بالقول "إن قواعد البيانات تحتوي على كافة بيانات المواطنين وعناوين إقامتهم وأرقام هواتفهم، لذلك فإن التحول إلى التعاملات الإلكترونية يتطلب استعدادات كبيرة وتأمينا كبيرا لقواعد البيانات لتحقيق الهدف من تحويل التعاملات من الورقية إلى الإلكترونية بالشكل المطلوب".
الحلول
في المقابل، تؤكد وزارة التجارة أنها تسعى إلى تسهيل إجراءات التحديث وضمان شمول الجميع بمفردات البطاقة التموينية، مشيرة إلى أنها استجابت لمطالب المواطنين عبر تمديد مهلة التحديث في بغداد والمحافظات الأخرى. وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة محمد حنون، "كانت المهلة الأصلية للتحديث في بغداد تنتهي في 25 نيسان الماضي، لكن الوزارة منحت مهلة إضافية بهدف إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المواطنين لتحديث بياناتهم، نظراً لأهمية هذه الخطوة في ضمان تسلم الحصة التموينية".
وشدد حنون على أن عملية التحديث تعتمد كلياً على البطاقة الموحدة، مضيفاً أن الوزارة تحث جميع المواطنين على الإسراع بالدخول إلى الموقع الإلكتروني وتسجيل حساب باسم رب الأسرة، حتى لو تعثر إدخال بيانات أحد الأفراد أو تم حجبه مؤقتاً، لأن هذه الحالات ستُعالج لاحقاً من قبل فرق فنية مختصة.
وأوضح المتحدث الرسمي أن الوزارة لا تعتبر تأخر تسجيل الحساب أو الامتناع عنه مجرد خلل تقني، بل مؤشراً على أن الأسرة ربما غير متواجدة داخل البلاد، ما قد يؤدي إلى فقدان استحقاقها من المفردات. وأضاف: "نحن نواجه مشكلة أن بعض المواطنين لا يسجلون حساباتهم بسبب تعذر إدخال أحد أفراد الأسرة أو لأسباب أخرى، وهذا يُفهم من قبل النظام وكأن الأسرة غير موجودة".
ولتقليل حالات العزوف أو التعثر، لفت حنون إلى وجود خيارات متعددة للدعم الفني والمساعدة، منها تطبيق "اتصل بنا"، إضافة إلى فرق جوالة منتشرة في المراكز التموينية لمساعدة المواطنين على تجاوز المشكلات التقنية وإتمام التحديث.
وفي ما يخص نسب الإنجاز، كشف حنون أن الوزارة تمكنت حتى الآن من تحديث بيانات نحو 24 مليون مواطن، مشيراً إلى أن العدد في تزايد مستمر، كما سيتم الشروع بعمليات التحديث في محافظتي نينوى وكربلاء، فضلاً عن محافظة حلبجة في إقليم كردستان.
وختم حنون بالتأكيد على أن التحديث يمثل "الحد الفاصل" بين تسلم المواطن لحصته من المواد التموينية وعدم تسلمها، قائلاً: "نتأمل أن يستفيد الجميع من هذا التطبيق الذي تم تطويره خصيصاً لضمان وصول المواد الغذائية للمواطنين دون استثناء".
وفي سياق متصل، أكد مدير التخطيط والمتابعة في وزارة التجارة طالب حسن نعمة أن التطبيق الخاص بتحديث البطاقة التموينية لا يزال مفتوحاً أمام المواطنين في المحافظات التي دخلت فيها عملية التحديث، مشدداً على وجود دعم فني مدمج داخل التطبيق نفسه يمكن الاستعانة به عند مواجهة أي مشكلة تقنية.
وقال نعمة، "توجد فرق دعم ميدانية موزعة في مقر دائرة التخطيط والمتابعة وفروعها في عموم المحافظات، مهمتها تقديم المساعدة للمواطنين وتجاوز المعوقات التي قد تصادفهم أثناء التحديث".
وفي ما يتعلق بالحالات الخاصة التي أثارت الكثير من التساؤلات في الأوساط الشعبية، أوضح نعمة أن الأشخاص المتواجدين خارج البلاد لأغراض العلاج أو الدراسة، يمكنهم تحديث بياناتهم عند عودتهم عبر مراجعة الدائرة المختصة. كما أشار إلى أن رب الأسرة هو من يجب أن يبدأ بتحديث بطاقته أولاً قبل أن يشرع بإضافة باقي أفراد الأسرة لضمان تسلسل الإجراءات بشكل صحيح.
أما المرأة المنفصلة أو المطلقة، فقد بيّن أن بإمكانها مراجعة الفرع التمويني التابع لمحل سكنها لغرض مساعدتها في تحديث بياناتها بشكل مستقل. وفي ما يخص الأسر التي تسكن في المناطق النائية أو لا تمتلك هواتف ذكية، دعاهم نعمة إلى الاستعانة بأقربائهم أو أصدقائهم ممن يملكون أجهزة حديثة يمكن من خلالها استخدام التطبيق، مشيراً إلى أنه في حال تعذر ذلك، يمكنهم التوجه مباشرة إلى فروع دائرة التخطيط والمتابعة في محافظاتهم للحصول على الدعم اللازم.
تصريحات نعمة تسلط الضوء على محاولات الوزارة استيعاب التنوع الاجتماعي والجغرافي للمواطنين العراقيين ضمن آلية التحديث، لكنها أيضاً تضع جزءاً من المسؤولية على المواطنين أنفسهم في البحث عن حلول بديلة ومراجعة الجهات المختصة عند الحاجة.