تدشين 6 منها في بغداد والعشرات قريبا.. ماذا تعرف عن مشروع استثمار الأسواق المركزية؟

انفوبلس/ تقرير
تلعب الأسواق المركزيَّة دوراً كبيراً في تعزيز ثقة المواطن بالمؤسسات الحكوميَّة تطبيقاً واستناداً لمبدأ الدولة الحارسة أو الدولة المُعيلة، ولهذا دشنت الحكومة العراقية مؤخراً 6 مراكز تسويقية (تعاون هايبر ماركت) في بغداد، كما أطلقت الأعمال التنفيذية لـ23 مشروعاً مماثلاً في العاصمة والمحافظات، لكن هل جاءت هذه الخطوة متأخرة؟ وما هي فوائدها؟
تأتي خطوة إعادة عمل الأسواق بعد تعطيل دام عقدين من الزمن بهدف ضبط الأسعار والتخفيض من التضخم، والمساهمة بتوفير متطلبات العيش للمواطنين خصوصاً الطبقة الفقيرة بعد الجشع الكبير الذي مارسه التجار، فضلاً عن خلق فرص عمل لآلاف العاطلين.
وتأسست الأسواق المركزية في العراق عام 1981، وحملت تسمية "أورزدي باك"، وضمت بضاعة في حينها من مختلف المناشئ العالمية، وتنوعت بين المواد الغذائية والأثاث والساعات والمواد الاستهلاكية الأخرى.
*تدشين 6 مراكز تسويقية في بغداد
في التاسع عشر من شهر شباط/ فبراير الماضي 2025، افتتح رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، 6 مراكز تسويقية (تعاون هايبر ماركت) في بغداد، فيما أطلق الأعمال التنفيذية لـ23 مشروعاً مماثلاً في العاصمة والمحافظات. ووجه بتخفيض أسعار السلع والمواد الغذائية الاساسية لمستفيدي الحماية الاجتماعية.
وذكر بيان لمكتب السوداني ورد لـشبكة "انفوبلس"، أن "رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، افتتح مركز (تعاون هايبر ماركت) التسويقي في البياع لبيع المواد الغذائية والسلع والبضائع بأسعار مدعومة في بغداد، وكذلك افتتح، 5 مراكز تسويقية اخرى، توزعت في مناطق الحرية والصالحية والشعب، وشارع فلسطين وجميلة، كما أطلق السوداني الأعمال التنفيذية لـ23 مشروعاً مماثلاً في بغداد والمحافظات.
وأضاف البيان، أن السوداني "أجرى جولة في أقسام تعاون (هايبر ماركت البياع)، والتقى بالعاملين فيه"، مشيراً إلى "موضوع الضمان الاجتماعي وشموله لجميع العاملين في القطاع الخاص، واطلع على الأجنحة التي تباع فيها المنتجات المحلية"، مثمناً كل "الجهود التي أسهمت في إنجاح هذا المشروع الاقتصادي الحيوي المهم".
وشدد السوداني، بحسب البيان، على "وزارة التجارة بالمضي في خطتها، لافتتاح 150 مركزاً مماثلاً في عموم المحافظات"، مؤكداً أنه "سيتم توجيه الجهات المختصة بمنح امتياز لمستفيدي الحماية الاجتماعية، عبر وضع نسبة تخفيض محددة للسلع والمواد الغذائية الاساسية لهم في هذه المراكز".
وأوضح، أن "فكرة هذا المشروع انطلقت لمواجهة ارتفاع اسعار المواد الغذائية نتيجة الظروف العالمية والحروب، والتي انعكست بشكل واضح على اسواقنا المحلية"، مشيراً الى "تدخل الحكومة حينها لضبط الأسعار والتأكد من وصول المواد الاساسية الغذائية للمواطنين".
وأشار السوداني الى أن "دور وزارة التجارة لا ينحصر في التبادل التجاري، وإنما يمتد الى تشجيع الصناعة الوطنية، من خلال تلبية احتياجات السوق المحلية"، مبيناً أن "العراق يستورد سنوياً سلعاً ومنتجات بقيمة 70 مليار دولار سنوياً، وهو رقم يحتاج الى وقفة ومراجعة، لأن وزارة التجارة هي جزء من الجهد الذي يعمل على تهيئة السبل امام القطاع الخاص لتعويض هذه الاستيراد الذي يستنزف العملة الأجنبية".
وألقى السوداني كلمة أثناء الافتتاح قال فيها: "حينما يتعلق الامر بالأمن الغذائي للمواطن، فإن الدولة يجب ان تكون حاضرة، وقد سيطرنا على أسعار المواد الغذائية، بالتعاون مع القطاع الخاص، رغم التأثيرات التي واجهها سعر صرف العملة الأجنبية"، مستدركاً بالقول: "عقدنا شراكات مع القطاع الخاص لفتح منافذ لعرض المواد الغذائية وباقي السلع التي يحتاجها المواطن".
وبين السوداني أن "فكرة (تعاون هايبر ماركت) هي امتداد لفكرة الاسواق المركزية لكن بمساحة اوسع وسلع متنوعة أكثر، وفق المتغيرات الاقتصادية"، منوهاً بأن "العمل بالتشغيل التجريبي بدأ قبل اسابيع وكان هناك اقبال واضح من قبل المواطنين، والهدف توفير اسعار مخفضة قياساً بأسعار السوق".
وأوضح أن "مشاريع تعاون هايبر ماركت هي هدف لوزارة التجارة في الوصول الى عرض نسبة سلع محلية ومصنعة داخل العراق بما لا يقل عن 60% من المعروضات". وأكد قائلاً: "نشجع هذه المراكز وفق هذا النموذج، وما توفره من سلع ومنتجات، وندعو رجال الاعمال والقطاع الخاص الى استثمار الدعم الحكومي الحالي، وهو دعم غير مسبوق"، مشيراً إلى أن "دعم القطاع الخاص يبدأ من توفير الضمانات السيادية للمشروعات الصناعية، ومروراً بصندوق العراق للتنمية، والى الاصلاحات الاقتصادية المستمرة التي اشتملت الجانب المالي والضريبي والقروض والقطاع المصرفي".
ونوه السوداني بأن "البيئة التي نوفرها للقطاع الخاص، تأتي من منطلق انه لا بديل للدولة العراقية عن دعم هذا القطاع وجعله متمكنا من جميع النواحي". وزاد: "وجهنا بعقد المجلس التنسيقي الصناعي بشكل شهري لتضمينه قرارات مهمة في مجال الصناعة، ووزارة التجارة حاضرة في هذا المجلس"، مضيفاً: "نتوجه بكل السلطات نحو تشجيع الصناعة الوطنية، وتوفير بيئة اعمال جاذبة للقطاع الخاص".
وكانت وزارة التجارة العراقية قد أعلنت في نهاية شهر آب/أغسطس من العام 2024، إكمال الاستعدادات لافتتاح خمسة مراكز تسويقية جديدة في بغداد تعمل وفق نظام "هايبر ماركت" وتقدم خدمات الى المتبضعين بأسعار مدعومة تصل إلى 20% عن السوق المحلية.
وأكد المتحدث باسم الوزارة محمد حنون وقتها، أن "فكرة إنشاء مراكز التسوق خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز التنافس بين القطاع الخاص والعام وتسهم في خلق بيئة تجارية متوازنة تعمل على مكافحة ظاهرة ارتفاع الاسعار في الاسواق المحلية، فضلا عن مساهمتها في اعادة تفكير التجار والمستوردين في الأسعار، لوجود بديل مدعوم حكوميًا".
وبحسب حديث مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، فإن الأسواق المركزية التنافسية بالعاصمة، تهدف إلى تحسين تجربة المستهلك وتأمين عاملين جدد، فيما أشار الى أنها ستقلل من نسب البطالة بالتدريج، وحدد مميزاتها.
وقال صالح، إنه "سبق وأعلنت الشركة العامة للأسواق المركزية وهي أحد تشكيلات وزارة التجارة عن سياستها التسويقية الجديدة منذ آذار 2024، بأنها مستمرة في إحالة مواقعها وأسواقها للاستثمار، بموجب قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل، بغية تحقيق التوازن الاقتصادي ودعم المستهلك العراقي وتوفير مناخ تشغيلي مرتفع".
وأضاف: "يلاحظ أن السياسة التسويقية للشركة العامة للأسواق المركزية وعبر استراتيجية الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، قد تولت تفعيل نمط من أنماط استقرار السوق بتوفير منافذ تسويقية تنافسية تلامس احتياجات الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل، عن طريق أفضل المنتجات الاستهلاكية من حيث ضمان الجودة واستقرار الأسعار".
هذا الأمر ينسجم مع الدور المحوري الذي يمارسه مجلس المنافسة ومنع الاحتكار الصادر بموجب القانون 14 لسنة 2010 والذي يصب في حماية حقوق الابتياع من الاحتكار والتلاعب بقوت المواطن، فضلاً عن دور النشاط التسويقي الذي يقوم على مبدأ الاستثمار، سيكون أداة لتوفير فرص العمل للشباب من المشتغلين العاطلين عن العمل عبر توفر خدمات متنوعة يتطلبها النشاط التسويقي لعمل الأسواق المركزية، بحسب المتحدث.
وأشار الى أنه "بناء على ما تقدم، فإن الدور الإشرافي والرقابي لوزارة التجارة في تنظيم الاسواق المركزية عن طريق الاستثمار، يأتي من وجهة نظرنا في إطار ما يمكن تسميته: (بالأسواق الاستهلاكية المركزية التنافسية)، وهي الأسواق التي تشهد منافسة قوية بين الشركات والبائعين لتقديم المنتجات والخدمات الاستهلاكية".
ولفت الى أنه "في هذه الأسواق، إذ تتنافس الشركات على تقديم أفضل الأسعار، وضمان جودة المنتج والخدمات النوعية لجذب المستهلكين، ما يؤدي إلى تحسين التجربة العامة للمستهلك مع ارتفاع مستويات التشغيل وتأمين عاملين جدد للعمل في النشاط التسويقي المركزي".
وتتميز الأسواق المركزية التنافسية التي تشغل على أساس الاستثمار من جانب القطاع الخاص بما يأتي:
1-تنويع المنتجات، وذلك بتوفير مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات من علامات تجارية مختلفة.
2- توليد مناخ مستدام من الأسعار التنافسية وقمع الاحتكار، إذ سيسعى البائعون الى تقديم عروض وخصومات سعرية لتحفيز العملاء على الشراء.
3- توفير خدمات لوجستية للمستهلكين وهي خدمات مضافة مثل خدمات التوصيل، برامج الولاء، أو خدمات ما بعد البيع التي تزيد من جاذبية السوق، وهي نشاطات متشابكة تشغيلية مشتركة تتطلب على الدوام سلاسل من العمل.
وأكمل: "لا يخفى أن الشركات العارضة لمنتجاتها في الاسواق المركزية التنافسية ستمارس(الابتكار)، ذلك بتقديم حلول جديدة أو مبتكرة لمنتجاتها أو في كيفية تقديمها، لتبقى جذابة في ظل مناخ جديد من المنافسة في الأسواق المنظمة".
وبين أن "الأسواق المركزية التنافسية ستعتمد، في توفير سبل الوصول اليها أنظمة توزيع قوية تمكن المستهلكين من الوصول بسهولة إلى المنتجات التي تقدمها الأسواق المركزية"، كاشفا انه لا يخفى أيضاً أن الأسواق المركزية التنافسية القائمة على الاستثمار، ستمكن الشركات ذات العلامات التجارية الرصينة من ان تستفيد من سعة ودور الاسواق المركزية في عموم البلاد لتقدم على الدوام شيئاً متميزاً يلائم نمط العيش وطرازات الحياة ذلك بتحسين منتجاتها باستخدام أفضل التكنولوجيات لزيادة حصتها السوقية، فضلاً عن نقل المعرفة التسويقية العالمية الى القوة الشابة الجديدة العاملة ويقلل من نسب البطالة بالتدريج".
*إحياء بعد نكبة
لعبت "الأسواق المركزيَّة" في أوقات سابقة دوراً كبيراً في تعزيز ثقة المواطن بالمؤسسات الحكوميَّة تطبيقاً واستناداً لمبدأ الدولة الحارسة أو الدولة المُعيلة، ويرى مراقبون أنَّ عملية دعمها من جديد لأجل أن يكون لها صوت وحضور داخل السوق ستقلل من المراهنة واللعب على ورقة قوت المواطن الذي شهد مضاربات كبيرة بسبب ارتفاع وانخفاض سعر صرف الدولار، ما أدى إلى تقلبات اقتصادية كبيرة أثرت في المواطن بشكل مباشر.
وكان لهذه الأسواق، قبل عام 2003 دور في توفير احتياجات الأسرة العراقية بالسلع والبضائع كافة، وفق مدير عام الشركة العامة للأسواق المركزية في وزارة التجارة، زهرة الكيلاني، مبينة أن "الأسواق المركزية تعرضت بعد عام 2003 لتخريب وسرقة محتوياتها وحولتها القوات الأمريكية إلى مقرات عسكرية لها".
وأوضحت الكيلاني مؤخراً، أن "الشركة العامة للأسواق المركزية كانت عام 2021 ما تزال مهملة وليس فيها أي نشاط، رغم أن لها أهمية كبيرة في تحقيق التوازن الاقتصادي، لأن مهمتها دعم المستهلك العراقي عبر نشاطاتها واستيراد وتسويق والتجهيز بالجملة والمفرد، كما أنها مسؤولة أيضاً عن الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في البلاد".
وأكدت الكيلاني، التي تسلمت إدارة الأسواق المركزية قبل 4 سنوات، أن "العمل بدأ منذ عام 2021 بإعادة تأهيل هذه المواقع وتمت الاستعانة بالقطاع الخاص الذي كان مساند جيد للحكومة حيث بدأ في عملية التأهيل والإعمار، وهناك مشاريع سيتم تشغليها في المستقبل القريب".
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي، عمر الحلبوسي، أن "الأسواق المركزية تعد حلاً مناسباً لضبط الأسعار والتخفيض من التضخم، والمساهمة بتوفير متطلبات العيش للمواطنين خصوصاً الطبقة الفقيرة بعد الجشع الكبير الذي مارسه التجار، فضلاً عن خلق فرص العمل لاستيعاب العاطلين، وتوفير مصدر إيراد جديد للدولة لتنويع مصادر الإيرادات غير النفطية".
والأسواق المركزية واحدة من مؤسسات وزارة التجارة والتي يقع عليها عبء تأمين أغلب المواد الغذائية التي يحتاجها البيت العراقي، لكن بعد عام 2003 شمل الدمار الأسواق المركزية وهو الأمر الذي عطل عملها وجعلها لا تقوم بشيء تجاه المواطن"، بحسب حديث الخبير الاقتصادي، ضياء المحسن.
يشار الى أن الشركة العامة للأسواق المركزية تمتلك 19 سوقا مركزيا بعموم العراق، إضافة إلى المواقع الأخرى والمخازن والمجمعات والحصص التي تملكها مع شركات الوزارة الأخرى.