ذي قار تطوي صفحة نزاع "آل عمر وآل رميض".. تسوية تمنع تفجّره مجددا وديّة مزدوجة قوامها 800 مليون

انفوبلس/ تقارير
بعد استمراره لأكثر من عامين وتدخل قيادات وشخصيات سياسية ودينية فيه أبرزها المرجع الديني سماحة السيد السيستاني ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، طوت ذي قار اليوم رسمياً النزاع الأطول والأعقد بين عشيرتي آل عمر وآل رميض في قضاء الإصلاح بتسوية لم تخلُ من الجوانب المادية ستستعرضها انفوبلس بالتفصيل في سياق التقرير الآتي.
انتهاء النزاع الأطول والأعقد
اليوم الثلاثاء، أُعلن في محافظة ذي قار رسمياً إنهاء أطول وأعقد نزاع عشائري عرفته خلال السنوات الأخيرة، بين عشيرتي "آل عمر" و"الرميض"، بعد صراع استمر لأكثر من عامين، سقط خلاله ثمانية قتلى وأكثر من 30 جريحاً.
الإعلان جاء من قبل جميل يوسف شبيب، شيخ عشيرة "آل عمر" الذي قال لوسائل إعلام محلية، إن "هذه الخطوة جاءت استجابةً لجهود مباشرة من المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، وأيضاً تدخل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، ولجنة المصالحة المكلفة بإنهاء النزاع، التي لعبت دوراً محورياً في دفع الأطراف نحو الصلح".
وأوضح شبيب، إن "التسوية تضمنت بنوداً مهمة تهدف إلى منع عودة النزاع مستقبلًا، أبرزها التزام الطرفين بعدم السماح للمتهمين بجرائم القتل من الجانبين بدخول مناطق العشيرة الأخرى، تفادياً لأي استفزاز أو تجدد للاحتكاك".
كما أوصى بأن "يتم التنازل عن كافة الدعاوى القضائية المتعلقة بالنزاع من قبل المتضررين".
وكان ظهر يوم الخميس 13 أبريل/نيسان 2023 ساخناً في قضاء الإصلاح شرق مدينة الناصرية في محافظة ذي قار، حينما اندلع نزاع مسلح بين عشيرتين إثر تراكمات ومناكفات طويلة على مدى الأشهر الثمانية الماضية، لتتفجر الخلافات مجددا بعد اتهام قائممقام الإصلاح أحمد الرميض باغتيال ضابط الأمن الوطني عبد المهدي جميل والمنتسب نائل ثامر.
ديّة مزدوجة بـ800 مليون
ولم تخلُ التسوية الأخيرة من الجوانب المادية، إذ شهدت دفع ديّة مزدوجة، بلغت 400 مليون دينار من قبل "آل عمر" إلى "الرميض" مقابل 800 مليون دينار دفعها "الرميض" إلى "آل عمر"، لتغطية الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بالطرفين خلال فترة النزاع، بحسب ما أكده العميد قاسم السعيدي مدير شؤون العشائر في محافظة ذي قار، الذي وصف هذه الخطوة بـ"المهمة في جهود إرساء السلم الأهلي بالمحافظة".
وقال السعيدي في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن "جهوداً استثنائية بُذلت على مدار شهور شملت وساطات من شخصيات دينية وقبلية وسياسية، فضلاً عن تدخل الحكومة المركزية الذين تابعوا مجريات القضية ووجّهوا باتخاذ إجراءات عاجلة لمنع تفاقمها".
وكان النزاع قد تفجّر عقب سلسلة حوادث أبرزها مقتل نجل الشيخ جميل يوسف، الضابط في جهاز الأمن الوطني، أثناء عودته من عمله على مدخل قضاء الإصلاح، وهو ما زاد من تعقيد المشهد آنذاك، ورفع منسوب التوتر بين العشيرتين.
وتسبب النزاع في شلل اجتماعي وخدمي واسع داخل قضاء الإصلاح مكان سكن العشيرتين، حيث تأثرت الحياة اليومية للسكان، وتوقفت العديد من الأنشطة الاقتصادية بسبب المخاوف من تجدده، إضافة إلى "موجات نزوح داخلي طالت بعض العائلات من الطرفين في فترات سابقة".
قصة النزاع الكاملة
قصة النزاع المعقد بين عشيرتي آل عمر وآل رميض بدأت حينما خرج أهالي قضاء الإصلاح إلى الشوارع مطالبين بتوفير المياه، حيث تعاني المدينة من أزمة مائية قاسية، وطالبوا بتوفير مياه الشرب والخدمات وإقالة "القائممقام"، وعلى إثر ذلك اشتد الخلاف بين المتظاهرين والقائممقام، ليتحول إلى أعمال شغب ومصادمات بين قوات الأمن والمتظاهرين، وفق ما يؤكده علي محمد وهو شاهد عيان من قضاء الإصلاح.
ووفق محمد، كانت نتيجة المصادمات، إصابة بعض المتظاهرين واعتقال أكثر من 15 متظاهرا وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، لتستمر الاحتجاجات لأكثر من 3 أيام، وبعد الإفراج عن المعتقلين عاد الهدوء للمدينة، واتفق شيوخ العشائر ووجهاء المدينة على أن يبقى القائممقام في منصبه مدة 6 أشهر ومن ثم يقدم استقالته.
أما عن النزاع المسلح، فقد انطلقت شرارته بعد أن كتب أحد الشباب من أقرباء القائممقام منشورا على فيسبوك يمتدحه فيه، ليرد عليه أحد المعلقين بطريقة سلبية، ثم تطور الوضع ليذهب الشاب الى محل إقامة الشخص المعلق ويطلق عليه النار.
ووفق شاهد العيان، فإن عشيرة الشخص المعلق أقدمت بعد ذلك على إطلاق النار على شخص آخر من عشيرة صاحب المنشور، ليتحول قضاء الإصلاح إلى ساحة حرب طاحنة، حيث صار القتل على الهوية ووفق الانتماء العشائري.
من جانبه، يقول المواطن علي سامي من أهالي قضاء الإصلاح "إن النزاع بدأ من الساعة العاشرة صباحا وحتى الساعة الثالثة ظهرا من يوم الخميس، لتتحول أجواء المدينة إلى حرب شوارع، ولم نتمكن من الخروج من المنازل مطلقا، وكان أحد وجهاء المدينة قد حاول التواصل مع الطرفين لإيقاف النزاع لكنه لم يتمكن من ذلك".
وخلال وجيه المدينة المذكور أعلاه للعشيرة الأخرى، كان نجله الأكبر عبد المهدي جميل -وهو ضابط بجهاز الأمن الوطني- قد لحق بأبيه للمشاركة في إيقاف المشكلة، لكن العشيرة الأخرى كانت قد نصبت للضابط كمينا وسط الشارع، حيث أمطروه بالرصاص ليسقط قتيلا أمام الناس، مما دفع عشيرة الضابط القتيل للاستنفار والدخول في مواجهة مباشرة مع العشيرة الأخرى، وفق ما يؤكده سامي.
وبعد أشهر من اغتيال الضابط جميل، ذكر مصدر في محكمة جنايات ذي قار للوكالة الرسمية، أن مذكرتي اعتقال وفق المادة ٤٠٦ صدرت بحق قائمقام قضاء الإصلاح والمرشح ضمن انتخابات مجلس محافظة ذي قار احمد ناظم بدر آل رميض.
وقال المصدر، إن مذكرة الاعتقال الأولى صدرت عن قاضي تحقيق الإصلاح عن جريمة مقتل ضابط الأمن الوطني عبد المهدي جميل العمري والمذكرة الثانية من محكمة تحقيق الناصرية عن جريمة مقتل منتسب الشرطة نائل ثامر العمري.
وعلى إثر المصادمات المسلحة، سقط 4 قتلى وأكثر من 10 من الجرحى، في حين اعتقلت القوات الأمنية أكثر من 12 من المتسببين بإثارة النزاع دون أن تنتهي القصة، وفق ما أعلنته القوات الأمنية.
وبعد فشل الجميع في التوسط بين العشيرتين لإنهاء الازمة، أرسل المرجع الديني السيد علي السيستاني، مبعوثاً خاصاً للتدخل في حل النزاع العشائري.
ونقل الوفد عن السيد السيستاني قوله في رسالة لعشيرتي آل عمر والرميض على خلفية الأحداث الاخيرة "بعثت إليكم رسولي الخاص العلامة السيد محمد حسين العميدي لبذل المساعي الجليلة في صدد احتواء الازمة بين الطرفين".
وأضاف المرجع الأعلى "المأمول من الطرفين الاستجابة لرسولنا الخاص، ووضع حد نهائي للأزمة المفتوحة".