ستة عقود بست درجات.. كيف مر الصيف الأخير على العراقيين؟.. تعرف على بيانات هامة للأعوام الـ120 الماضية
انفوبلس..
في التاسع من أيلول الجاري، استحدثت الهيئة العامة للأنواء الجوية شعبة جديدة خاصة بتوضيح التغيرات المناخية التي طرأت على البلاد خلال العقود الست الأخيرة، وعلى الرغم من اقتصارها في الوقت الحالي على نشر درجة الحرارة العظمى لليوم ومقارنتها مع نفس اليوم قبل 30 عاما وقبل 60 عاما، إلا أنها تفتح المجال للبحث أكثر والتساؤل عن أسباب ونتائج تغييرات المناخ خلال هذه العقود، فكم درجة ارتفعت حرارة البلاد؟ وكيف تأثر المواطنون بذلك التغيير؟ وهل هي أزمة خاصة أم عامة؟
مدير مركز المناخ ابراهيم محمد أكد استحداث شعبة التغيرات المناخية هي خطوة ايجابية لمواكبة آخر مستجدات التغيرات المناخية بشكل عام وتأثيرها على العراق بشكل خاص ورفد جميع الجهات المستفيدة بالتقارير الخاصة بالتكيف والتخفيف من آثار التغيرات المناخية.
وبين ان هذه التقارير الخاصة توضح مدى التغير المناخي ومن مهام الشعبة ايضاً اعداد النشرة المناخية التي تصدر لأول مرة في تاريخ الانواء الجوية كذلك والتي تضم عنصر درجة الحرارة العظمى والتغير الحاصل فيها في الوقت الحالي وقبل (30) و (60)عام لأغلب محافظات البلاد.
العقود الـ6 الأخيرة
يوم أمس الأربعاء، نشرت الهيئة النشرة اليومية للتغييرات المناخية، وجاءت على النحو التالي:
ويلاحظ من خلال النشرة إن مقدار درجات الحرارة قد ارتفعت من 4 إلى 8 درجات في محافظات البلاد، وفي حين إن معدل درجة الحرارة العظمى ليوم 11/9/1964 (قبل 60 عام) بلغ 40.5 درجة مئوية، فقد بلغ 41.3 درجة مئوية في يوم 11/9/1994 (قبل 30 عاماً)، فيما بلغ المعدل يوم أمس مقدار 46.5 درجة مئوية بتزايد كبير جداً وصل إلى 5.2 درجة مقارنة مع عام 1994، و 6 درجات مئوية مقارنة مع عام 1964.
أطول فترة من 122 عاماً
وتعد الفترة الزمنية لتصاعد المعدل السنوي لدرجات الحرارة في العراق خلال الـ15 عامًا الماضية، هي الفترة الأطول منذ اكثر من 120 عامًا، لتأتي بعدها الفترة السنوية بين 1988 و2001 بالمرتبة الثانية.
ووفقًا لبيانات دولية مختصة، فأنه منذ عام 1900، كان منحنى المعدل السنوي لدرجة الحرارة في العراق بين ارتفاع وانخفاض، حيث يستمر بالارتفاع لمدة تصل الى 5 سنوات على سبيل المثال ومن ثم تنخفض لـ4 او 6 سنوات قبل ان تعود للارتفاع مجددًا لفترة سنوات معدودة أيضًا.
في عام 1901، كان المعدل السنوي لدرجة الحرارة في العراق يبلغ 21.9 درجة مئوية، واستمر بالانخفاض وصولا الى عام 1908 حيث وصل الى 21.3 ومن ثم عاد للارتفاع بعد عام 1909 وهكذا استمر بالارتفاع والانخفاض طوال قرابة قرن من الزمن لفترات لاتتجاوز الـ9 سنوات في احسن الأحوال أي يستمر بها ارتفاع المعدل السنوي لدرجات الحرارة بشكل متوالي قبل انخفاضه.
لكن في عام 1988، وكان حينها المعدل السنوي لدرجة الحرارة في العراق يبلغ 21.8 مئوية، استمر الارتفاع لفترة أطول من السنوات حيث وصل الى عام 2001، وكان معدل الحرارة حينها 23.1 مئوية، مايعني ان المعدل السنوي لدرجات الحرارة استمر بالارتفاع لمدة 13 عامًا قبل ان يعود المعدل للانكسار والانخفاض في 2002.
واستمر الانخفاض بمعدل الحرارة السنوي من 2002 وحتى 2007، أي لمدة خمسة سنوات فقط، قبل ان يرتفع المعدل في عام 2007 من 22.7 مئوية واستمر بالارتفاع طوال السنوات الـ15 التالية حتى بلغ المعدل في عام 2022 بلغ 23.98 مئوية، أي نحو 24 مئوية، وهو معدل لم يتم تسجيله منذ عام 1900 ميلادي أي قبل اكثر من 122 عامًا.
يتضح أنه منذ 2007 وحتى الان، يمثل الارتفاع المستمر لمعدل درجة الحرارة السنوي دون انخفاض، هي أطول مدة زمنية لاستمرار ارتفاع المعدل السنوي للحرارة في العراق منذ عام 1900، فطوال القرن الماضي كانت الحرارة ترتفع لـ9 سنوات في احسن الأحوال ومن ثم تعود للانخفاض، الا ان هذه المدة الزمنية هي الأطول حيث استمر المعدل السنوي بالارتفاع لأكثر من 15 عامًا.
أدناه مخطط بياني لمعدل الحرارة السنوي في العراق منذ 1901 وحتى 2022:
أزمة عالمية
وفي السادس من أيلول الجاري، صنّفت خدمة مراقبة تغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، صيف العام الحالي بأنه أشد الفصول سخونة في نصف الكرة الأرضية الشمالي منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، وسط تزايد الاحتباس الحراري.
وذكرت خدمة "كوبرنيكوس" للتغير المناخي في نشرة شهرية أن الصيف في نصف الكرة الأرضية الشمالي من حزيران/ يونيو إلى آب/ أغسطس الماضيين هذا العام تجاوز الصيف الماضي ليصبح الأشد حرارة في العالم.
وتزيد الحرارة الاستثنائية من احتمالات أن يتجاوز العام الحالي عن العام 2023 ليصبح الأعلى حرارة على الإطلاق على كوكب الأرض.
وقالت سامانثا بورجيس نائبة مدير الخدمة "خلال الأشهر الثلاثة الماضية، شهد العالم شهري حزيران/ يونيو وآب/ أغسطس الماضيين الأكثر سخونة واليوم الأكثر سخونة على الإطلاق، والصيف الأعلى حرارة في نصف الكرة الأرضية الشمالي على الإطلاق".
وأضافت أنه ما لم تعمل الدول على خفض انبعاثاتها المسببة لارتفاع درجة حرارة الكوكب بشكل عاجل فإن الطقس المتطرف "سيصبح أكثر حدة". وتشكل الانبعاثات الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري السبب الرئيسي لتغير المناخ.
وواصل تغير مناخ الكوكب مفاقمة الكوارث هذا الصيف. ففي السودان، تسببت الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة الشهر الماضي في إلحاق أضرار بأكثر من 300 ألف شخص وأدت إلى انتشار الكوليرا في البلاد التي مزقتها الحرب.
وتعود بيانات خدمة "كوبرنيكوس" لعام 1940، وقام العلماء بمقارنتها ببيانات أخرى للتأكد من أن هذا الصيف كان الأكثر سخونة منذ فترة ما قبل الصناعة في عام 1850.
جانب من تأثير ارتفاع درجات الحرارة على العراق
في تموز الماضي، قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن التغيرات المُناخية التي يشهدها العراق، تؤثر بشكل مباشر على حياة العمال الذين يتعرضون لمخاطر بيئية تهدد صحتهم وسلامتهم، عاداً تزايد درجات الحرارة، وندرة المياه، والعواصف الترابية المتكررة كلها عوامل تجعل من بيئة العمل تحدياً كبيراً أمام العمال العراقيين.
ووفقا لتقرير صادر عن المرصد، فإنه، يواجه العاملون في العراق، خاصة أولئك المعرضون لأشعة الشمس بشكل مباشر، مخاطر عديدة قد تمنعهم من العمل لفترات بسبب ضربات الشمس، أو قد تتسبب بوفاة بعضهم، فتأثير التغيرات المناخية يمكن ملاحظته في تزايد درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة خلال فصل الصيف، حيث تصل في بعض المناطق إلى أكثر من 50 درجة مئوية.
وفي (27 حزيران 2024) أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعيَّة تسجيل عدد كبير من إصابات العمال بالإجهاد الحراري خلال الصيف الحالي، نتيجة تعرّضهم إلى ظروف عمل غير صحيَّة وإنسانيَّة، في ظل ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق في العراق.
وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة نجم العقابي في تصريح صحفي: "سجلنا إصابة عدد كبير من العمال ونقلهم إلى المستشفيات نتيجة تعرّض الجسم للحرارة الزائدة".
وتحدث المرصد العراقي لحقوق الإنسان إلى مجموعة من العاملين في مجالات مختلفة يجمعهم أمر واحد وهو العمل تحت أشعة الشمس وفي أكثر فصول السنة حرارةً. سائقو التوصيل هم الأكثر تعرضاً للمخاطر، خاصة الذين يقررون العمل في أوقات النهار.
يقول مجتبى حسين، وهو سائق توصيل يبلغ من العمر 19 عاماً: "لا توجد زيادات على الأجور المحتسبة، حيث إن المبلغ المتحصل هو ذاته سواء كان في الصباح أو المساء، صيفاً أو شتاءً. أصحاب المطاعم لا يضيفون أجوراً مقابل العمل تحت درجات الحرارة".
بحسب برنامج حماية الأرض (EPP) التابع للمرصد، يعتبر الالتزام بالمعايير الدولية أحد الوسائل الأساسية لتقليل تأثير التغيرات المناخية على العمال. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يجب أن تكون بيئات العمل مجهزة بوسائل تكييف الهواء والحماية من العوامل الجوية القاسية لضمان سلامة وصحة العمال.
ويقول المرصد في تقريره، إنه تشمل المخاطر التي يواجهها العمال في العراق نتيجة للتغيرات المناخية ارتفاع درجات الحرارة الشديدة التي تعتبر من أكبر التحديات، حيث تزيد من خطر الإصابة بضربات الشمس والجفاف. تؤدي ندرة المياه إلى تحديات في النظافة الشخصية وظروف العمل الصحية، مما يزيد من احتمالية انتشار الأمراض. هذه الظروف القاسية تفرض على العمال العمل في بيئات غير صحية وخطيرة، مما يفاقم من مشاكل الصحة العامة والإنتاجية.
وتحتم معايير منظمة العمل الدولية على أرباب العمل والحكومات اتخاذ تدابير لتقليل التعرض للعوامل البيئية الضارة. من هذه التدابير، توفير أنظمة تكييف في أماكن العمل التي تتعرض لدرجات حرارة عالية، وتوفير المياه النظيفة والمرافق الصحية المناسبة، وتدريب العمال على كيفية التعامل مع الظروف البيئية القاسية وطرق الحماية منها.
وفقاً لفريق برنامج حماية الأرض (EPP) في المرصد العراقي لحقوق الإنسان، فإن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الحكومة العراقية في حماية العمال من تأثيرات التغيرات المناخية، من خلال وضع قوانين صارمة تفرض على أرباب العمل توفير بيئات عمل آمنة وصحية.
كما يجب على الحكومة أيضاً العمل على تحسين نظام الرعاية الصحية لضمان تقديم العناية اللازمة للعمال الذين يتعرضون لمخاطر صحية بسبب التغيرات المناخية. أما أرباب العمل، فعليهم تأمين المعدات والملابس الواقية للعمال الذين يعملون في ظروف مناخية قاسية، والالتزام بمعايير السلامة الدولية وتوفير التدريبات اللازمة للعمال، وفقا للبرنامج.
وصادق العراق على العديد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي تهدف إلى ضمان حماية العمال في مختلف القطاعات. ومن بين هذه الاتفاقيات، التصديق مؤخراً على اتفاقية السلامة والصحة في الزراعة لعام 2001 (رقم 184)، والتي تعزز الالتزام بتوفير بيئة عمل لائقة ومتوافقة مع المعايير الدولية.
في أغسطس 2022 دعت منظمة العمل الدولية في العراق شركاءها الثلاثة - الحكومة ومنظمات أصحاب العمل والعمال – إلى ضمان اتخاذ الإجراءات المناسبة للتخفيف من بعض المخاطر المرتبطة بالعمل في ظل درجات حرارة شديدة والتأكد من توفير الحماية المناسبة للعمال في مكان عملهم، وذلك مع ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى 50 درجة مئوية في الأسابيع الأخيرة.
وقال المرصد العراقي لحقوق الإنسان: "تؤثر حرارة الشمس القاسية في العراق بشكل كبير على حياة العمال، إذ تزيد من مخاطر الإصابة بالإجهاد الحراري وأمراض الحرارة مثل ضربة الشمس. العديد من العمال يضطرون للاستمرار في العمل تحت هذه الظروف بسبب عدم وجود بدائل وظيفية أخرى".
ووفقاً لقانون العمل العراقي رقم (37) لسنة (2016)، يحق للعمال الحصول على ظروف عمل آمنة وصحية. ينص القانون على ضرورة توفير معدات الحماية الشخصية للعمال، وتحديد ساعات العمل بحيث لا تتجاوز الساعات المسموح بها قانوناً، وضمان فترات راحة منتظمة.
كما يحق للعمال الحصول على أجر إضافي مقابل العمل في الظروف الخطرة أو الشاقة. من بين الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها العمال وفقاً للمعايير الدولية والمحلية: الحق في بيئة عمل آمنة وصحية، الحق في فترات راحة، الحق في مياه شرب نظيفة، والحق في الحصول على أجور عادلة تتناسب مع أخطار العمل.
في أكثر من مناسبة، أعلنت الحكومة العراقية تعطيل الدوام الرسمي بسبب درجات الحرارة العالية، لكن هذه العطلة لا تشمل العاملين في القطاع الخاص والذين إذا ما قرر أحدهم طلب إجازة بسبب حرارة الجو، قد يلاقي مصير ترك العمل.
ويؤكد المرصد "على العراق الالتزام بمعايير منظمة العمل الدولية وتوفير ظروف عمل ملائمة وآمنة للعمال، خاصة في ظل الظروف الجوية القاسية. يجب على أرباب العمل والحكومة اتخاذ خطوات جادة لضمان حقوق العمال وتقديم الدعم اللازم لهم لتحسين أوضاعهم وظروف عملهم، كما يتحتم على الحكومة العراقية تحسين التشريعات المتعلقة بسلامة العمل، وضمان تنفيذها بفعالية".