في مثل هذا اليوم قبل 13 قرنا.. 25 ألف شهيد عراقي في معركة صفين قاتلوا مع الإمام علي دفاعا عن الشرعية.. ماذا لو تحقق النصر؟
انفوبلس/..
كانت معركة صفين من أقسى المعارك التي خاضها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكانت في الوقت نفسه حرباً مفروضة، وقد فرضوا هذه المعركة من بدايتها وحتى نهايتها.
الإمام علي (ع) وقبل حرب صفين كان قد أرسل إلى معاوية، السفراء والكتب يدعوه إلى الطاعة والدخول فيما دخل المسلمون من قبله، لكنَّه لم يستجب لطلبه، بل أظهر الشدَّة والصلافة في ردِّه على رسائل الإمام، واختار القتال على الصلح والمسالمة.
فبعد أن كتب الإمام علي بن أبي طالب إلى معاوية، أنه ينبغي أن تنصرف، يجب على معاوية أن يذعن، إذ لا دليل عقلي أو منطقي أو نقلي أو عرفي يسمح ويجيز لحاكم بالعصيان والتمرد، ويقول "لا" إذا طلب خليفة المسلمين وأمير المؤمنين منه أن يتنحى جانباً، ويقوم بالتجييش ويذهب إلى المعركة، لكن معاوية فعل هذا الأمر.
أعدَّ الإمام جيشًا قويًّا وسلك طريق الشام، وكذلك فعل معاوية، والتقيا في مكان اسمه صفين، وهناك صمّم أمير المؤمنين على ألّا يواجه، وعزم على نصحهم، وقال إذا ما سمعوا وأخذوا بنصحي فلا أسلّ عليهم سيفًا ولا أحاربهم، هذا هو العمل الذي قام به أمير المؤمنين عليه السلام، إلا أن الطرف المقابل قد تشيطن، وكان أمير المؤمنين يؤجل المعركة إلى الحد الذي جعل أصحابه يذهبون إليه ويقولون له يا أمير المؤمنين أتخاف جيش معاوية ولا تحاربه؟ أجابهم أَأنا خائف؟ لقد مرّغت صدور الرجال بالتراب في سِنيِّ شبابي، أنا الذي لم يخرجني أي تهديد طوال سنين وسنين من سوح القتال، أنا خائف؟ "فو الله ما دفعت الحرب يومًا إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي، وذلك أحبُّ إليَّ من أن أقتلها على ضلالها".
هذا القلب الرؤوف للإمام، فإلى جانب ذلك الحزم فيما يتعلق بالمذنبين والضالين والخاطئين، فهو من جانب آخر يقابلهم بقلب مليء بالعطف والمحبة، فيقول أُرجّحْ وأفضّل أن يهتدي ذلك الضال على يدي ويعود عن ضلالته من أن يبقى على ضلالته وأقتله، لقد كان لأمير المؤمنين هدف في صفين هو أن يهدي الناس إن استطاع إلى ذلك سبيلا.
أصاب الشك جماعة من أصحاب الإمام علي عليه السلام في معركة صفين/ الحرب هي هكذا عندما تطول ويتأخر النصر قليلًا فإن أصحاب القلوب الضعيفة يتزلزلون، وإلا فإنه عند الزحف والتقدم والنجاح غالبًا ما تكون قلوب الناس ثابتة، وعندما تضطرب الأوضاع قليلًا ويضعف هؤلاء قليلًا فسوف يسألون.
وقف أحدهم على سبيل المثال وقال: ما هذا؟ فأنا قمتُ لصلاة الصبح رأيت أننا نصلي هنا جماعة، وكذلك هؤلاء كانوا يصلون جماعة في الطرف المقابل! فكيف نتقاتل؟ حصل حديث وهمس، قدموا إلى عمار بن ياسر وقالوا هكذا كلام.
راية الأمام علي "ع" علي راية الرسول "ص"
وقف عمار بن ياسر وكان شيخًا في ذلك الوقت عمره قرابة الثمانين عامًا، ذهب وصاح بين تلك الجموع: أيها الناس أخبركم بشيء وصدقوني: هذه الراية التي تقفون تحتها هي راية أمير المؤمنين، وهذه الراية نفسها التي رأيتها في معركة بدر قد وقف النبي تحتها، راية لا إله إلا الله وعلم بني هاشم، ورأيت أن النبي وأصحابه تحت هذه الراية دعوا الناس إلى الجهاد وإلى الجنة.
وهذه الراية المقابلة لكم، التي هي راية بني أمية، هي الراية نفسها التي شاهدتها في يوم بدر وكان خلفها أبو سفيان وهؤلاء، وإن الذين يقفون خلفه اليوم كانوا خلفها آنذاك أيضًا، هذا العلَم نفسه هو الذي رأيته في معركة بدر وأُحد... والذين يقفون خلف هذه الراية اليوم هم الذين رأيتهم بالأمس خلفها يوم بدر وأُحد، وكان تحت هذا علَم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وكان أمير المؤمنين عليه السلام، وكان تحت ذلك العلَم أبو سفيان وبنو أمية وكانوا أعداء النبي، وهذا معاوية هو نفسه، فلا يشتبه عليكم ظاهر الأمر.
واحتدم القتال بين الطرفين، فاقتتلوا يومهم كلَّه قتالاً شديداً لم يشهد له تاريخ الحروب مثيلاً، ثُمَّ تقدَّم الإمام عليّ (عليه السلام) بمن معه يتقدَّمهم عمَّار بن ياسر، ولمَّا برز لعمرو بن العاص، كان عمار بن ياسر قد أخذ الحربة بيده ويده ترعد، وقال: "والذي نفسي بيده، لقد قاتلتُ هذه الراية مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاث مرّات، وهذه الرابعة، والذي نفسي بيده، لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا شعفات هجر، لعرفت أنّ مصلحينا على الحقّ وأنّهم على الضلالة".
رفع المصاحف.. كلمةُ حقٍّ يُراد بها باطل
أمير المؤمنين: فاحفظوا عنِّي نَهْيي إيَّاكم، واحفظوا مقالتكم لي، فإن تطيعوا فقاتلوا، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم.
لمَّا رأى عمرو ابن العاص، أنَّ أمر أهل العراق قد اشتدَّ وخاف الهلاك، قال لمعاوية: هل لك في أمرٍ أعرضه عليك، لا يزيدنا إلّا اجتماعاً، ولا يزيدهم إلّا فرقةً؟ قال: نعم. قال: نرفع المصاحف، ثُمَّ نقول: هذا حكم بيننا وبينكم.
فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا: هذا كتاب الله عزَّ وجلَّ بيننا وبينكم، مَنْ لثغور الشام بعد أهله؟ مَنْ لثغور العراق بعد أهله؟ فلمَّا رآها الناس قالوا: نجيب إلى كتاب الله.
فقال لهم عليٌّ (عليه السلام): "عباد الله امضوا على حقِّكم وصدقكم وقتال عدوِّكم، فإنَّ معاوية وعمراً وابن أبي معيط وحبيباً وابن أبي سرح والضحَّاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرَفُ بهم منكم، قد صحبتُهم أطفالاً ثُمَّ رجالاً، فكانوا شرَّ أطفال وشرَّ رجال، وَيْحَكُم والله ما رفعوها إلّا خديعةً ووهناً ومكيدة". فقالوا له: لا يسعنا أن نُدعى إلى كتاب الله فنأبى أن نقبّله! فقال لهم عليٌّ (عليه السلام): "فإنّنِي إنَّما أُقاتلهم ليدينوا لحكم الكتاب، فإنَّهم قد عصوا الله فيما أمره ونسوا عهده ونبذوا كتابه".
فقال له جماعة من المسلمين، الذين صاروا خوارج بعد ذلك: يا عليُّ، أجب إلى كتاب الله عزَّ وجلَّ إذا دُعيت إليه، وإلا دفعناك برمَّتك إلى القوم، أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفَّان!
قال: "فاحفظوا عنِّي نَهْيي إيَّاكم، واحفظوا مقالتكم لي، فإن تطيعوا فقاتلوا، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم.
بضعة أمتار عن رأس الفتن
لم تكن بينهم وبين معاوية إلّا بضعة أمتار، فلولا وقوع هؤلاء في الفخ الذي نصبه معاوية لاستطاع الإمام (عليه السلام) أن يسيطر على الموقف ويستأصل رأس الفتن، ولكنَّ مسألة التحكيم غيَّرت مجرى الأُمور إلى أسوأ حال، فحالت دون تحقيق الهدف المنشود، وقُدِّر لهذه المؤامرة أن تنجح وأن تجرَّ وراءها المصائب والويلات!
لمَّا انتهت مسألة التحكيم، قال نفرٌ من أصحاب الإمام: كيف تُحكِّمون الرجال في دين الله؟! لا حكم إلّا لله، وكانوا يعترضون الإمام في خطبته بشعارهم "لا حكم إلّا لله" لذلك سُمُّوا بالمحكِّمة، فكانوا ما يقارب اثني عشر ألفاً، فنزلوا في ناحية يُقال لها: "حروراء" لأجلها سُمُّوا بالحرورية.
فحاججهم الإمام (عليه السلام) بقوله الأوَّل قبل التحكيم، ثُمَّ قال لهم: "قد اشترطتُ على الحكمين أن يُحييا ما أحيا القرآن، ويُميتا ما أمات القرآن، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف، وإن أبيا فنحن عن حكمهما براء".
خدعة التحكيم
أعلن ابو موسى الاشعري على الملأ الحاضرين أنَّه قد خلع عليَّاً من الخلافة ثُمَّ تنحَّى. وأقبل عمرو ابن العاص فقام، وقال: إنَّ هذا قد قال ما سمعتموه وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأُثبّت صاحبي معاوية! فدُهش أبو موسى وشتم عمراً وشتمه عمرو، وانفضَّ التحكيم عن هذه النتيجة
قالوا: أتراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء؟ قال: "إنَّا لسنا حكَّمنا الرجال، إنَّما حكَّمنا القرآن، وهذا القرآن إنَّما هو خطٌّ مسطور بين دفَّتين لا ينطق، إنَّما يتكلَّم به الرجال، فلمَّا التقى الحكمان: أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص، وخُدِع أبو موسى، إذ مكر به عمرو، قال له: أنت صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسنُّ منِّي فتكلَّم، وأراد عمرو بذلك كلِّه أن يقدِّمه في خلع عليٍّ، قال له: نخلع عليَّاً ومعاوية معاً، ونجعل الأمر شورى، فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبُّوا.
فتقدَّم أبو موسى فأعلن على الملأ الحاضرين أنَّه قد خلع عليَّاً من الخلافة ثُمَّ تنحَّى. وأقبل عمرو فقام، وقال: إنَّ هذا قد قال ما سمعتموه وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأُثبّت صاحبي معاوية! فدُهش أبو موسى وشتم عمراً وشتمه عمرو، وانفضَّ التحكيم عن هذه النتيجة!
والتمس المسلمون أبا موسى فهرب إلى مكَّة، ثُمَّ انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلَّموا عليه بالخلافة، ومع هذه النتيجة عاد عليّ (عليه السلام) يعمل على إعادة نظم جيشه، استعداداً لمرحلة جديدة من الحروب، ولكن فتناً جديدة نجمت بين أصحابه ستمنع من انطلاقته صوب أهدافه.
قُتل من الطرفين خلال معركة صفين (70) ألف رجل، فمن أصحاب معاوية من أهل الشام (45) ألف رجل، ومن أصحاب الإمام علي (عليه السلام) من أهل العراق (25) ألف شهيد.