أبو علي العسكري والمحللون "المتملقون".. ما خطورة هذه الفئة على العراق وأمنه القومي؟

انفوبلس/ تقرير
أصبح للمحللين السياسيين والإعلاميين العراقيين دور بارز في توجيه الرأي العام، لكن في السنوات الأخيرة، ظهرت فئة من المحللين تروّج لأجندات دول أجنبية كالولايات المتحدة والسعودية وتركيا، أو حتى الكيان الإسرائيلي، الأمر الذي يشكل مصدر قلق كبير بشأن تأثيره على الاستقرار والسيادة الوطنية، وهذا ما أشار إليه المسؤول الأمني للمقاومة الإسلامية كتائب حزب الله أبو علي العسكري.
تزدحم وسائل الإعلام المحلية العراقية بعشرات الشخصيات التي تظهر بصفة محلل سياسي أو باحث في الشأن العراقي، تتبنّى مهمة التعليق على الأحداث السياسية وتداعياتها أو أسبابها.
ماذا قال العسكري عن المحللين؟
قال المسؤول الأمني في المقاومة الإسلامية كتائب حزب الله أبو علي العسكري في تغريدته التي صدرت أمس الثلاثاء، "إلى بعض المحللين في مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية في الداخل والخارج: لا تنعقوا مع كل ناعق ولا تجمّلوا القبيح ولا تطبّلوا مع الشيطان، فإسرائيل عدو أزلي والكيان السعودي مجرم سفاح وأمريكا هي الشيطان الأكبر وستبقى كذلك ولن تجمّلها المفاوضات ولا غيرها فاتقوا الله وقولوا قولا سديدا".
وهذا الحديث فتح الباب والتساؤلات عن هذه الفئة في العراق ومدى خطورتها على الأمن القومي العراق، إذ تُقدم هذه الفئة تحليلات أو آراء تدعم مصالح أو سياسات دول أجنبية، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب المصالح الوطنية العراقية. يمكن أن يتخذ هذا الدعم أشكالًا مختلفة، مثل الترويج لروايات تخدم أجندات خارجية، أو تبرير تدخلات دولية، أو حتى تقديم معلومات استخباراتية حساسة.
ويظهر ذلك من خلال نشر مقالات أو تقديم تحليلات في وسائل الإعلام المختلفة (مرئية، مسموعة، مكتوبة، رقمية) تتبنى وجهات نظر الدول الداعمة وتنتقص من مصالح العراق أو سيادته، بالإضافة الى المشاركة في فعاليات دولية لطرح وجهات نظر تتوافق مع سياسات الدول التي يساندونها، وكذلك يقدم بعض المحللين خبراتهم ومعرفتهم بالشأن العراقي لدول أجنبية، مما يساعد هذه الدول في صياغة سياساتها تجاه العراق.
وهؤلاء - بحسب مراقبين تحدثوا لشبكة "انفوبلس" – يؤثرون على الرأي العام من خلال أنشطتهم المختلفة، حيث يسعى هؤلاء المحللون إلى تشكيل أو توجيه الرأي العام العراقي بما يخدم مصالح الجهات الخارجية.
عميد كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية في بغداد، الدكتور خالد عبد الإله، يرى أن من شروط المحلل السياسي أن يكون من ذوي المعرفة، وواسع الثقافة ومطلعا على القضايا السياسية والأزمات الداخلية والإقليمية والدولية، ويفضل أن يكون من حملة تخصص علوم سياسية، وأن يكون حياديا ومستقلا، ومن ثمّ يتحصن بما يمتلكه من معلومات، ويحللها وفق أدوات التحليل السياسي المبنية على أسس علمية صحيحة.
ويوضح عبد الإله، أن الأزمات المحلية لا تعطي نسقا ثابتا، لذلك على من يمتلك صفة المحلل السياسي أن يكون ملمّا بالأوضاع السياسية بشكل عام، لأن أغلب الأزمات المحلية مرتبطة بأزمات إقليمية ودولية، فضلا عن ذلك فلا بد أن يكون المحلل السياسي موضوعيا وعقلانيا، ودقيقا في ما يطرحه من أفكار، بمعنى أن يستشرف مدى وانعكاسات الأزمات حاضرا ومستقبلا.
من جهته، يرى أستاذ قسم الصحافة في كلية الإسراء الجامعة، الدكتور نزار السامرائي، أن ظاهرة المحلل السياسي ترتبط بالاستقطابات الحزبية، لذلك هي تضلل الجمهور أكثر مما تسلط الضوء على طبيعة ما يجري، وهي في الحقيقة بيان وجهات نظر وشرح للأحداث أكثر مما ترتبط بالتحليل الذي يتطلب كثيرا من الموضوعية والتعامل مع البنى المكونة للأحداث، وفق الخطابات المعلنة للوصول إلى ما تتضمنه من حقائق غير معلومة واستشراف للمستقبل.
ويقول السامرائي -وهو متخصص في تحليل الخطاب الإعلامي- إن من الشروط الأساسية للمحلل السياسي الابتعاد عن الذاتية والانتماءات الأيديولوجية والتعامل مع الحقائق من دون حرفها باتجاه معين أو الانطلاق من استنتاجات مسبقة بناء على رؤية حزبية أو فئوية.
بينما الكاتب والصحفي فلاح المشعل، الذي يرى أن أعداد المحللين السياسيين وألقابهم في تكاثر على شاشات المحطات الفضائية، إن أكثرهم لا يملك ذهنية تحليلية، وإنما إعادة ما تحمله الأخبار، وبعضهم كمن يقرأ في جريدة أمس، وإن قليلا جدا منهم من يملك رؤى تحليلية وشجاعة في قول ذلك، خاصة أن المناخ السياسي يؤثر أو يمنع إمكانية الكتابة أو التحليل بوعي صريح، كما أن عددا ليس بالقليل منهم ينتمي لأحزاب سياسية أو تدفع له الأحزاب مقابل تمجيدها عبر الفضاء، أما الألقاب من رؤساء مراكز دراسات وبحوث أو خبير إستراتيجي أو باحث، فحدث ولا حرج.
وبحسب مسؤولين أمينين تحدثوا لشبكة "انفوبلس" (رفضوا الكشف عن هويتهم)، ان دعم المحللين العراقيين لدول أخرى يمثل خطورة على العراق من عدة جوانب منها تقويض السيادة الوطنية، اذ يتبنى محللون عراقيون وجهات نظر خارجية، فإن ذلك يضعف من القدرة الوطنية على اتخاذ قرارات مستقلة تخدم مصلحة العراق أولاً، أما ثانيا بث الفرقة والانقسام اذ يساهم هؤلاء المحللون في تأجيج الخلافات الداخلية من خلال تبني روايات تخدم أجندات خارجية تسعى إلى إضعاف الوحدة الوطنية.
كذلك – بحسب الخبراء - تضليل الرأي العام، حيث يمكن أن يؤدي ترويج معلومات وتحليلات منحازة إلى تضليل المواطنين العراقيين وصعوبة الوصول إلى فهم حقيقي للأحداث وتأثيراتها على بلادهم، بالإضافة الى ان تسهيل التدخلات الخارجية وقد تستخدم الدول الأخرى تحليلات هؤلاء الأفراد لتبرير تدخلاتها في الشأن العراقي، مما يقوض استقرار البلاد وأمنها.
الى جانب إضعاف المؤسسات الوطنية، إذ عندما يُنظر إلى بعض النخب العراقية على أنها تخدم مصالح خارجية، فإن ذلك يضعف الثقة في المؤسسات الوطنية وقدرتها على تمثيل مصالح الشعب، إضافة الى استنزاف الكفاءات، اذ بدلًا من توجيه خبراتهم وقدراتهم لخدمة العراق، يتم استغلال هؤلاء المحللين لخدمة أهداف أخرى قد تتعارض مع المصلحة الوطنية، وفقا للخبراء.
عن الأسباب المحتملة التي قد تدفع بعض المحللين العراقيين إلى مساندة دول أخرى، فهي – بحسب الخبراء - المصالح الشخصية حيث قد يكون الدافع ماديًا أو الحصول على دعم ونفوذ من الجهات الخارجية، او قد يتبنى بعض المحللين أيديولوجيات أو ولاءات إقليمية أو دولية تجعلهم أقرب إلى مصالح دول أخرى.
وتعليقاً على الظاهرة التي تحولت إلى مادة جدل واسع داخل الأوساط العراقية خلال السنوات الماضية، يقرّ سياسي ونائب سابق في البرلمان بتورط قوى سياسية من مكونات مختلفة في ما يسميه "استمالة محللين للمشهد السياسي لصالحها عبر هدايا وهبات أو بتوفير الحماية والدعم المعنوي لهم".
غير أن الباحث بالشأن السياسي العراقي غانم العابد قال، إن "أغلب الفضائيات ووسائل الإعلام تبحث عن الإثارة والجدل في برامجها الحوارية أو تغطياتها بسبب التنافس بينها. وللأسف، فهي لا تستضيف الباحثين الذين يقدمون وجهة نظر حقيقية ومحايدة أو هادئة للوضع العراقي، بل تتجه لمن يصرخ أو يتشاجر ويطلق تصريحات طائفية أو خارجة عن الذوق العام، بما يضمن أن الحلقة، أو البرنامج، ستخلق إثارة وجدلاً".
وشدّد العابد على أن "العراق يحفل بالكثير من الأكاديميين والباحثين المهمين الذين يدركون طبيعة المشهد ويقدمون تفسيرات وسيناريوهات مختلفة لها، لكنهم أقل ظهوراً من الشريحة المعنية بالجدل الحالي".
وخلاصة الامر إن مساندة بعض المحللين العراقيين لدول أخرى تشكل تحديًا حقيقيًا يهدد السيادة الوطنية والاستقرار الداخلي في العراق. ومن الضروري إدراك هذه المخاطر والعمل على تعزيز الوعي الوطني وتشجيع التحليل الموضوعي الذي يضع مصلحة العراق فوق أي اعتبار آخر. ويتطلب ذلك دعم الإعلام الوطني المسؤول وتعزيز دور المؤسسات البحثية المستقلة القادرة على تقديم تحليلات معمقة وموثوقة للقضايا الوطنية والإقليمية والدولية.