التصريحات الطائفية والتضليل الإعلامي يعكران صفو الانتخابات البرلمانية العراقية

الذكاء الاصطناعي يفاقم الفبركة
انفوبلس..
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة في النصف الثاني من العام الجاري، تعود إلى الواجهة من جديد نبرة الخطابات الطائفية التي اعتاد العراقيون سماعها في كل موسم انتخابي، وسط مخاوف متزايدة من محاولات بعض القوى السياسية، خصوصاً داخل المكوّن السني، إعادة استخدام هذا الخطاب كورقة ضغط لكسب الأصوات.
فبينما تشهد الجبهة الغربية في سوريا تصعيداً طائفياً ملحوظاً، تحذر أطراف داخلية من تسلل هذا التوتر إلى الداخل العراقي، خاصة في ظل السياق الانتخابي المحتدم.
ويرى مراقبون أن بعض النخب السياسية لا تزال تؤمن بأن التجييش الطائفي هو الطريق الأقصر للوصول إلى البرلمان وتحقيق مكاسب حزبية وشخصية، متجاهلة ما خلّفته هذه الخطابات من جراح عميقة في النسيج العراقي خلال العقود الماضية.
وتتوالى التحذيرات من تصاعد هذا النهج، لما يحمله من تهديد مباشر للسلم الأهلي والمجتمعي، لا سيما في محافظات كانت مسرحاً لصراعات سابقة دفعت ثمنها من دماء أبنائها واستقرارها.
ورغم ذلك، يعوّل كثيرون على وعي الناخب العراقي الذي بات أكثر إدراكاً لألاعيب الخطاب الطائفي، مدركاً أن أغلب الوعود المكررة لم تثمر في السابق سوى عن مزيد من الفشل على صعيد الخدمات والتنمية، وعلى رأسها أزمة الكهرباء المزمنة.
الخطاب الطائفي لن يحقق نتائج إيجابية
وفي السياق ذاته، يرى مراقبون في الشأن السياسي أن تصاعد الخطاب الطائفي من قبل بعض الأطراف لن يحقق أي نتائج إيجابية، لا على المستوى الشعبي ولا في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
ويؤكد هؤلاء أن محاولات استغلال الانقسام الطائفي لأغراض انتخابية أو لتسقيط الخصوم السياسيين أصبحت مكشوفة ومرفوضة، مشيرين إلى أن اللجوء إلى هذا النوع من الخطابات لم يعد يجدي نفعاً في ظل تغير أولويات الشارع العراقي.
ويشير المراقبون إلى أن المجتمع العراقي، بعد سنوات طويلة من الصراعات والفتن الطائفية التي أودت بحياة الآلاف وشتّتت العديد من الأسر، لم يعد يقبل بهذا الخطاب، بل بات ينفر منه ويحمّله مسؤولية جزء كبير من معاناته.
ويحذرون من أن الاستمرار في هذا النهج قد يؤدي إلى فقدان الدعم الشعبي بشكل واسع، ويعرّض من يروج له إلى عزلة سياسية وربما إلى ملاحقات قانونية، خاصة في ظل توجه الدولة لمكافحة التحريض على الكراهية والطائفية.
مساس بالسلم المجتمعي والقضاء
محاولات بعض الأطراف السياسية استغلال الخطاب الطائفي لتحقيق مكاسب انتخابية لم تعد مجدية، بل باتت مكشوفة ومرفوضة على نطاق واسع
وتأتي هذه التحذيرات على خلفية تسريب صوتي نُسب إلى رئيس حزب السيادة خميس الخنجر، أثار جدلاً واسعاً لما تضمنه من إساءات مباشرة ومساس بالسلم المجتمعي والقضاء، ما أثار موجة استنكار على المستويين السياسي والشعبي.
وانتشر خلال الايام القليلة الماضية، تسريب صوتي نُسب إلى الخنجر وهو يتحدث فيه بلهجة “طائفية” عن مؤسسات الدولة والحكم في العراق بعد 2003.
يرى مراقبون أن محاولات بعض الأطراف السياسية استغلال الخطاب الطائفي لتحقيق مكاسب انتخابية لم تعد مجدية، بل باتت مكشوفة ومرفوضة على نطاق واسع، ويؤكد هؤلاء أن الجمهور العراقي تجاوز مرحلة التأثر بهذا النوع من الخطابات بعد ما عاناه من ويلات الفتن الطائفية، ما جعله أكثر وعيًا بمخاطر التحريض والانقسام.
ويحذر المراقبون من أن الإصرار على هذا الأسلوب قد يؤدي إلى نتائج عكسية، من ضمنها فقدان الدعم الشعبي والدخول في عزلة سياسية، فضلًا عن إمكانية الملاحقة القانونية بتهم التحريض على الكراهية. وتأتي هذه التحذيرات بالتزامن مع تسريب صوتي منسوب إلى شخصية سياسية معروفة أثار ضجة واسعة بسبب ما تضمنه من إساءات تمس السلم المجتمعي والقضاء العراقي، ما أعاد الجدل حول خطورة هذا النوع من الخطاب في المرحلة الحالية.
نغمة تنذر بالانقسام
وفي مؤشر خطير على تصاعد الخطاب الطائفي داخل بعض الأوساط السنية، عاد شعار "صوت السنة سيعلو مرة أخرى" ليعكس نغمة سياسية تنذر بالانقسام، لا سيما مع دعوات لتكرار السيناريو السوري داخل العراق.
هذه الدعوات، التي رُفعت من قبل جهات تسوّق لفكرة إقامة "إقليم سني" في الأنبار، لم تكن مجرد طرح إداري أو دستوري، بل اقترنت بخطابات صدامية تحمل مضامين طائفية واضحة تستهدف مكونات أخرى من الشعب العراقي.
ويرى مراقبون أن ترويج فكرة الإقليم السني، تعكس نوايا تتجاوز حدود الإصلاح السياسي إلى مشاريع تقسيمية تهدد وحدة البلاد، ويُنظر إلى هذه الطروحات على أنها امتداد لخطاب متشنج يسعى لتغذية الأزمات الطائفية بدلاً من السعي لحلول وطنية جامعة.
ورغم رفض الحكومة العراقية لهذه المسارات منذ بدايتها، إلا أن تنامي هذا الخطاب في بعض الأوساط السياسية السنية يثير القلق مجددًا، خصوصاً في ظل صمت أو تواطؤ بعض القوى التي كان يُنتظر منها أن تتخذ موقفاً واضحاً ضد كل ما يمس وحدة العراق وسلمه الأهلي.
تحذيرات من "المرض السياسي"
وحذّر الإطار التنسيقي، في بيان له عقب اجتماع عقده الثلاثاء، من عودة الخطاب الطائفي إلى المشهد العراقي، واصفًا إياه بـ"المرض السياسي"، ومعبّرًا عن استهجانه للتصريحات التي يطلقها بعض السياسيين في هذا السياق.
وفي موقف موازٍ، أبدت هيئة الإعلام والاتصالات قلقها من تصاعد الخطابات الطائفية عبر وسائل الإعلام، مؤكدة أنها تتابع عن كثب الجهات التي تروّج لخطاب الكراهية، وداعية القنوات إلى الالتزام بالمعايير المهنية وعدم استضافة المحرّضين.
وشددت الهيئة على استمرارها في اتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يسعى إلى إثارة الفتن وتهديد السلم الأهلي، حفاظًا على وحدة النسيج المجتمعي العراقي.
فبركة الأخبار والذكاء الاصطناعي
استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوليد صور وفيديوهات مزيفة (Deepfake) بات شائعاً، ما يزيد من صعوبة التحقق من صحة المحتوى المتداول
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، يتصاعد القلق من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لتضليل الرأي العام عبر حملات ممنهجة من الأخبار المفبركة، فقد تحولت منصات مثل فيسبوك، إكس (تويتر سابقًا)، إنستغرام وتيليغرام إلى ساحات لمعركة إعلامية شرسة، حيث تنتشر الشائعات والمعلومات الكاذبة بسرعة هائلة، مستهدفة توجيه الناخبين والتأثير على خياراتهم، بل وحتى التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية برمّتها.
ويحذر خبراء من أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوليد صور وفيديوهات مزيفة (Deepfake) بات شائعاً، ما يزيد من صعوبة التحقق من صحة المحتوى المتداول، ويشيرون إلى أن جهات سياسية تستخدم ما يُعرف بـ"الجيوش الإلكترونية" لإدارة حملات تضليل تعتمد على تكرار المحتوى المفبرك عبر حسابات وهمية، وخاصة في التطبيقات المغلقة مثل تليغرام وواتساب، ما يصعّب رصدها ومواجهتها.
هذه الحملات، التي كثيرًا ما تستهدف شخصيات سياسية بعينها أو تروّج معلومات خاطئة عن قضايا حساسة، تشكل تهديدًا حقيقيًا لنزاهة الانتخابات وتزيد من تعقيد المشهد السياسي، خصوصاً في ظل غياب رقابة فاعلة ومساءلة قانونية صارمة تجاه مروجي هذا النوع من المحتوى.
عوامل انتشار الأخبار المفبركة
الناخب العراقي غالبًا ما يثق بالمعلومات الواردة من أقاربه أو عبر مجموعات التواصل الاجتماعي أكثر من وسائل الإعلام الرسمية، مما يعزز من تأثير الأخبار المفبركةد
وأشار مراقبون إلى أن من أبرز العوامل التي تساهم في سرعة انتشار الأخبار المفبركة في العراق هي ضعف الوعي الإعلامي والثقافة الرقمية لدى فئات واسعة من المجتمع، مما يجعلهم عرضة لتصديق أي خبر يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما ساهم غياب الرقابة الفعالة وضعف التشريعات الخاصة بالإعلام الرقمي في تفشي هذه الظاهرة، مما يفتح المجال للفوضى الإعلامية. بالإضافة إلى ذلك، تستغل الحساسيات السياسية والطائفية لنشر أخبار موجهة ضد خصوم سياسيين، مما يعزز من سرعة انتشارها في بيئة مشحونة.
وأكد المراقبون أن الناخب العراقي غالبًا ما يثق بالمعلومات الواردة من أقاربه أو عبر مجموعات التواصل الاجتماعي أكثر من وسائل الإعلام الرسمية، مما يعزز من تأثير الأخبار المفبركة.
وأشار مصدر سياسي إلى أن حمى التنافس الانتخابي بدأت مبكرًا، حيث شهدت الساحة السياسية ضربًا للخصوم داخل نفس المكون أو الحزب، مع انشقاقات دموية على أساس المصالح الشخصية وليس الوطنية.
وأضاف المصدر أن جميع التجارب الانتخابية السابقة فشلت في إقناع الناخبين واستعادة ثقتهم في العملية السياسية، بسبب عدم وجود مشاريع وطنية مشتركة بين القوى السياسية التي لا تزال تسيطر على السلطة والنفوذ.
كما أشار إلى أن المال أصبح وسيلة رئيسية لاستقطاب الناخبين، معتمدة على تقديم خدمات شخصية بدلاً من مشاريع وطنية حقيقية.
وشدد المصدر على ضرورة أن تتدخل الحكومة ومجلس النواب بشكل جاد لحماية نزاهة العملية الانتخابية وضمان عدالة الانتخابات، محذرًا من استمرار الخروقات الكبيرة التي لا تُعاقب بشكل فعّال. وعبّر عن أمله في أن تكون هناك تشريعات حقيقية تضمن معايير انتخابية عادلة وتحد من تأثير المال والنفوذ في نتائج الانتخابات.
وفي الانتخابات السابقة (2018 و2021)، انتشرت مقاطع فيديو تدّعي حدوث عمليات تزوير، تبين لاحقًا أنها لم تكن سوى مواد تم تصويرها في دول أخرى. كما تم نشر صور مفبركة لمرشحين، تظهرهم مع "شخصيات مثيرة للجدل"، وكذلك تسريبات صوتية وهمية كانت تهدف إلى تشويه سمعة مرشحين معينين في الأيام التي سبقت الاقتراع.
تستهدف هذه الأخبار المفبركة تشويه سمعة المرشحين، إما لإسقاطهم أو لتقديم آخرين بشكل زائف. كما قد تثير هذه الأخبار غضبًا شعبيًا أو احتجاجات ذات طابع طائفي أو عشائري، مما يهدد استقرار العملية الانتخابية.
وأصبحت فبركة الأخبار تهديدًا حقيقيًا للديمقراطية الناشئة في العراق، خاصة في بيئة سياسية معقدة ومجتمع يعاني من تراجع الثقة في المؤسسات، ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، أصبح من الضروري أن تكون مكافحة الأخبار المزيفة أولوية وطنية، تتعاون فيها الدولة، الإعلام، المجتمع المدني، والمواطنون أنفسهم لضمان نزاهة الانتخابات وحمايتها من التلاعب.