العراق يستعد لقمة عربية بظل الجولاني.. ذاكرة التفجيرات تتقاطع مع بروتوكولات الشرعية الجديدة

انفوبلس/..
فتحت دعوة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لرئيس الحكومة السورية الجديد، أحمد الشرع – المعروف سابقاً بأبي محمد الجولاني – لحضور القمة العربية المرتقبة في بغداد، فتحت بوابة صراع سياسي داخلي لا يقلّ حرارة عن تداعيات الحدث ذاته. ففي لحظة خاطفة، تحوّل الشرع من مجرم سفاح إلى شخصية رسمية مدعوة لتمثيل سوريا على الأراضي العراقية، الأمر الذي فجّر عاصفة غضب برلماني وشعبي، وخلط أوراق المشهد السياسي المعقّد أصلاً.
*تحركات نيابية.. والهدف: استجواب السوداني
النائبة ابتسام الهلالي لم تكتفِ بالتعبير عن رفضها للدعوة، بل بادرت إلى تحريك المياه الراكدة داخل مجلس النواب، كاشفة عن حملة لجمع تواقيع لاستضافة السوداني ومساءلته بشكل علني داخل قبة البرلمان.
وقالت الهلالي في تصريحات حادة اللهجة: “هناك تحرك نيابي جاد لاستضافة رئيس الوزراء لمساءلته بشأن دعوته المرفوضة للجولاني، وهي دعوة لا تحظى بأي ترحيب وتُعد مرفوضة شكلًا ومضمونًا”.
الهلالي شددت على أن “أغلب أعضاء البرلمان يرفضون بشكل قاطع زيارة الجولاني إلى بغداد، كونه مطلوبًا للقضاء العراقي، ومتورط في جرائم قتل بحق أبناء الشعب”، مضيفة أن “دعوة مثل هذه تُعد استخفافًا بدماء الشهداء واستهانة بمشاعر عوائل الضحايا”.
وفي تصريح أكثر مباشرة، قالت: “كيف يمكن لنا كدولة، أن نمهد الطريق لشخصية كهذه سبق أن نفذت تفجيرات الكرادة، واستقبلته وكأن شيئًا لم يكن؟ هذا أمر معيب ومشين لا يمكن وصفه بكلمات”.
*غليان شعبي واتهامات بـ”تبييض السجل الإرهابي”
لم يقف الغضب عند حدود البرلمان، بل امتد إلى الشارع العراقي الذي لا يزال يعاني من جراح الإرهاب وآثاره. تصريحات غاضبة تداولها نشطاء، أسر الشهداء، ومحللون، حذّرت من مغبّة التهاون مع هذه “الخطوة الصادمة”. وبرز موقف المحلل السياسي صباح العكيلي، الذي وصف الدعوة بأنها “زيارة خطيرة” تحمل أبعادًا تتجاوز البرتوكول الدبلوماسي، قائلاً: “الشرع شخصية مصنفة دولياً على لوائح الإرهاب، ومتورط بسفك دماء الآلاف في العراق وسوريا. استضافته في بغداد بمثابة إعطاء منبر سياسي لشخصية إرهابية، وهذا انتهاك صارخ لكرامة ضحايا الإرهاب”.
وحذر العكيلي من أن “السماح للجولاني – مهما كان مسماه الجديد – بدخول الأراضي العراقية، سيعيد إشعال الجبهات الداخلية ويهدد التماسك الوطني، ناهيك عن تبعاته الأمنية والسياسية في ظرف إقليمي معقد”.
*الإطار التنسيقي يدخل الخط: غضب داخلي متصاعد
عضو الإطار التنسيقي مختار الموسوي كشف أن 58 نائبًا حتى الآن وقّعوا على مذكرة تطالب بإلغاء الدعوة فورًا، مشيراً إلى أن “الخطوة تُعد استفزازًا صريحًا لمشاعر عوائل الشهداء، وتتناقض مع كل الشعارات التي رفعتها الحكومة بشأن محاربة الإرهاب”.
وقال الموسوي في تصريح ناري: “دعوة الجولاني تعني مكافأة الإرهابيين، ومن يفتح له الباب اليوم سيمهد الطريق غدًا لتكريم قادة داعش إن تولّوا مناصب في بلدانهم. هذا خط أحمر”.
*السراج: لا يملك السوداني أي صلاحية للعفو
المحلل السياسي إبراهيم السراج ذهب أبعد من ذلك، حين اعتبر أن رئيس الوزراء لا يملك أصلاً صلاحية إصدار عفو عن شخصية مصنفة إرهابيًا، أو توجيه دعوة رسمية لها.
وأضاف: “الشرع قد يكون أصبح رئيساً لسوريا، لكن ذاكرة العراقيين لا تنسى من فجّر أسواقهم، وقتل أبناءهم. لا يجوز مكافأة القتلة بمصافحة رسمية أمام عدسات الكاميرات”.
وأكد السراج أن الدعوة تنذر باضطراب سياسي حاد: “إذا مرت هذه الخطوة، فإن كل إرهابي سابق قد يجد طريقًا ممهّدًا ليكون ضيفًا في العراق. منطق الدولة يجب أن يكون واضحًا: لا تفاوض مع من تلطخت يداه بدماء شعبنا”.
*العلاقة مع القوى السياسية على المحك
من جهته، أطلق عمران كركوش العضو في ائتلاف دولة القانون تحذيرًا سياسيًا شديد اللهجة، قائلاً: “دعوة الجولاني إلى بغداد قد تُحدث اضطرابًا في العلاقة بين السوداني والقوى الكبرى في البلاد. هذه الدعوة تهدد بإعادة تشكيل المشهد السياسي على أسس جديدة مشحونة بالخيانة والخذلان”.
وأضاف كركوش: “الحكومة تحاول أن تظهر بمظهر الدولة الدبلوماسية، لكنها نسيت أن العراقيين ما زالوا يحملون صور ضحايا الإرهاب في ذاكرتهم. لا يمكن القفز على الألم الجماعي لشعب بأكمله من أجل قمة بروتوكولية”.
*صمت رسمي.. ومخاوف من تمرير الخطوة تحت الطاولة
وسط كل هذا الغليان، تلتزم الحكومة صمتًا لافتًا، وسط مخاوف من أن تُمرر الدعوة دون نقاش حقيقي في البرلمان أو أمام الرأي العام. مراقبون يرون أن تجاهل الأصوات الرافضة قد يؤدي إلى أزمة سياسية جديدة تُضاف إلى المشهد المعقد أصلًا.
ومع أن الجولاني – أو أحمد الشرع – بات اليوم رئيسًا لسوريا، فإنّ تحوّله الرسمي لم يُغيّر من حقيقة ماضيه الدامي، ولا يبرر تسويقه كـ ”شخصية سياسية شرعية” على الأرض العراقية.