العفو العام يُفرج عن 19 ألف سجين والعراق يسترجع مليارات من الفساد

مخاوف من تداعيات العفو
انفوبلس/..
أعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق إطلاق سراح أكثر من 19 ألف سجين ضمن تنفيذ قانون العفو العام، وسط تأكيدات باسترجاع مبالغ مالية ضخمة من المحكومين بقضايا فساد.
وتأتي هذه الخطوة في إطار تطبيق التعديلات الجديدة على قانون العفو رقم (27) لسنة 2016، والتي بدأت المحاكم العراقية العمل بها منذ بداية شباط/فبراير الماضي.
وبينما يرى بعض المراقبين أن هذا القانون يفتح صفحة جديدة في ملف العدالة وإصلاح النظام القضائي، يحذر آخرون من تداعياته الأمنية والاجتماعية، خاصة مع شمول مدانين بالإرهاب والفساد.
وتزامن تطبيق القانون مع تحركات سياسية ولقاءات رسمية ناقشت آليات التنفيذ والمعوقات، وسط تزايد المخاوف من عودة بعض المفرج عنهم إلى الإجرام أو استغلال العفو لأغراض انتخابية.
وفي هذا السياق، أعلن مجلس القضاء الأعلى، في وقت سابق من اليوم الثلاثاء، الإفراج عن أكثر من 19 ألف سجين ضمن إطار تنفيذ قانون العفو العام المعدّل، مؤكداً في الوقت ذاته استرجاع مبالغ مالية كبيرة من المحكومين بقضايا فساد.
ووفقاً لبيان رسمي صادر عن المجلس، فإن "رئيس المجلس فائق زيدان عقد، اليوم الثلاثاء، اجتماعاً ضم نواب رئيس محكمة التمييز الاتحادية، بحضور كل من رئيس الادعاء العام، ورئيس هيئة الإشراف القضائي، وجرى خلال الاجتماع مناقشة نتائج تطبيق قانون تعديل قانون العفو رقم (27) لسنة 2016".
ووجه زيدان، بحسب البيان، بـ "عقد اجتماع موسع للجان المختصة بتطبيق القانون، ومعالجة الإشكاليات والاجتهادات الناشئة عن ذلك، كما استعرض المجتمعون تقرير رئيس هيئة الإشراف القضائي عن نتائج تطبيق القانون من تاريخ 21 / 1 / 2025 ولغاية تاريخ 30 / 4 / 2025 حيث تبين أن عدد المطلق سراحهم بموجب القانون من المواقف والسجون من الموقوفين والمحكومين في جميع المحافظات (19.381) تسعة عشر ألفاً وثلاثمائة وواحد وثمانون".
وأضاف، إن "العدد الإجمالي للمشمولين من المحكومين غيابيا، والمتهمين المكفلين، أو الصادرة بحقهم مذكرات قبض أو استقدام، بلغ (93.597) ثلاثة وتسعون ألفاً وخمسمائة وسبعة وتسعون".
وأشار إلى "استرجاع (11.941.456.992) مليار دينار، كذلك تم استرجاع (624.959) دولاراً أمريكياً و(770.000.000) ريال سعودي".
إحصائيات السجون
وفي سياق متصل، ناقش رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، خلال اجتماع عقده يوم الاثنين مع وزير العدل خالد شواني وعدد من كبار مسؤولي الوزارة، سبل تنفيذ قانون العفو العام، والتحديات التي تعترض تطبيقه، إلى جانب أوضاع النزلاء داخل السجون العراقية.
وتشير الإحصائيات المتوفرة إلى أن عدد السجون الرسمية في البلاد يبلغ نحو 30 سجناً، تحتضن ما يقرب من 60 ألف سجين، بينهم محكومون وموقوفون على خلفيات جنائية وإرهابية، ومن بينهم نحو 1500 امرأة و1500 سجين عربي، كما تضم منظومة السجون سجناً اتحادياً يُعرف بـ"سجن سوسة" في محافظة السليمانية، يتبع وزارة العدل الاتحادية.
ورغم غياب إحصائية رسمية دقيقة، إلا أن تقديرات متعددة تشير إلى أن العدد الفعلي للسجناء قد يقترب من 100 ألف شخص، يتوزعون بين سجون تابعة لوزارات العدل والداخلية والدفاع، بالإضافة إلى مراكز احتجاز تديرها أجهزة أمنية كالمخابرات والأمن الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب.
إطلاق سراح فوري
أصدر مجلس القضاء الأعلى، في 21 شباط/ فبراير الماضي، توجيهاً مباشراً إلى دائرة السجون بضرورة الشروع في "إطلاق سراح فوري" لكل من يصدر بحقه قرار إفراج بموجب القانون، دون اشتراط اكتساب القرار الدرجة القطعية
وفي إطار تسريع تنفيذ بنود قانون العفو العام، أصدر مجلس القضاء الأعلى، في 21 شباط/ فبراير الماضي، توجيهاً مباشراً إلى دائرة السجون بضرورة الشروع في "إطلاق سراح فوري" لكل من يصدر بحقه قرار إفراج بموجب القانون، دون اشتراط اكتساب القرار الدرجة القطعية، وذلك لتقليل التكدس داخل السجون وتسريع الإجراءات القضائية.
وفي المقابل، حذر المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، في 14 شباط/فبراير، من المخاطر المحتملة لإطلاق سراح بعض السجناء دون تأهيل أو دمج مجتمعي، مؤكداً أن عدم تطبيق برامج إصلاحية قد يؤدي إلى عودة بعضهم إلى الإجرام أو صعوبة اندماجهم في المجتمع.
يأتي ذلك في وقت بدأت فيه المحاكم العراقية، اعتباراً من 6 شباط/فبراير، بتنفيذ القانون فعلياً، وسط تقديرات برلمانية تشير إلى أن عدد المشمولين قد يتجاوز 57 ألف معتقل من أصحاب الجرائم المختلفة.
يُشار إلى أن قانون العفو العام المعدّل جاء ضمن مجموعة من التشريعات المثيرة للجدل التي أقرها مجلس النواب في 21 كانون الثاني/يناير الماضي، والتي شملت أيضاً تعديل قانون الأحوال الشخصية، وقانون إعادة العقارات لأصحابها في كركوك.
كما أعلن مجلس القضاء الأعلى، في نيسان/أبريل المنصرم، عن استرداد نحو 6 مليارات دينار وأكثر من 600 ألف دولار أمريكي، و770 مليون من عملات أجنبية أخرى، من مدانين بقضايا فساد شملهم قانون العفو، مما سلط الضوء مجدداً على التحديات المعقدة التي يفرضها هذا القانون على مسارات العدالة والرقابة المالية.
اعتراضات على القانون
شمول متهمين بالإرهاب بالقانون قد يُضعف استقرار البلاد، ويعيد تنشيط شبكات إرهابية نائمة، مستغلين الفوضى السياسية والتسويات الخفية
ورغم الجدل القانوني والحقوقي الواسع الذي رافق تنفيذ قانون العفو العام، إلا أن الجدل السياسي كان الأشد وطأة، خاصة بعد تمريره في مجلس النواب، وسط اعتراضات كبيرة من قوى سياسية، وعلى رأسها الكتل الشيعية، التي رفضت القانون لاحتوائه على مواد تُفسر بأنها تتيح الإفراج عن متورطين في جرائم خطيرة، من بينها قتل المدنيين والانتماء لجماعات إرهابية.
وقد رُفض القانون في أكثر من دورة برلمانية سابقة، قبل أن يُمرر أخيراً بعد صفقة سياسية بين بعض الكتل السُنية وأطراف في "الإطار التنسيقي"، مقابل تمرير قوانين أخرى مثيرة للجدل، أبرزها تعديل قانون الأحوال الشخصية.
ومع بدء تطبيق القانون، بدأت مؤشرات خطيرة تلوح في الأفق، خصوصاً مع الحديث عن شمول شخصيات متورطة في الإرهاب والفساد، ضمنهم النائب السابق أحمد العلواني، المحكوم بالإعدام عام 2014 بتهمة دعم جماعات إرهابية، وهذا الإفراج أثار موجة استياء واسعة، وسط اتهامات بتصفية ملفات جنائية مقابل مكاسب انتخابية.
كما حذر خبراء أمنيون من أن شمول متهمين بالإرهاب بالقانون قد يُضعف استقرار البلاد، ويعيد تنشيط شبكات إرهابية نائمة، مستغلين الفوضى السياسية والتسويات الخفية. وفيما تحاول الجهات الأمنية طمأنة الرأي العام بمراقبة تحركات المُفرج عنهم، تتصاعد المخاوف من عواقب أمنية وخيمة في حال فشل الدولة في ضبط تداعيات هذا القرار.
وكان العلواني إحدى الشخصيات التي حرضت على قتل القوات الأمنية وقاد حراكاً فيما يُعرف بساحات الاعتصامات في الانبار التي تحولت لاحقاً الى تجمع لقادة التنظيمات الاجرامية، وكان من ضمن الشخصيات التي شرّعت الأبواب أمام الإرهابيين للسيطرة على الانبار.