انسحاب المعارضة الكردية من الحكومة المقبلة يفضح هيمنة الحزبين ويفجّر أزمة ثقة في كردستان

مشهد الإقليم يزداد توتراً
انفوبلس/..
في خطوة سياسية حاسمة، جاءت مناقشات الكتل الكردية المعارضة في إقليم كردستان لتؤكد من جديد عمق الانقسام الداخلي وتوسيع رقعة الاحتقان الشعبي. فقد أعلن ممثلو تحالفات المعارضة، رفضهم القاطع المشاركة في الحكومة المقبلة، معبّرين عن احتجاج واضح تجاه هيمنة تيارَي الحزبين الكبيرين؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني من جهةٍ أخرى.
هذا الموقف يأتي من كتل وأحزاب معارضة على رأسها (الجماعة الإسلامية، الجيل الجديد، جماعة العدل الكردستاني، الاتحاد الإسلامي، كتلة الموقف، وجبهة الشعب)، في ظل استشراء مظاهر الفساد وسوء الإدارة، التي تُرغم الشارع الكردستاني على الخروج من دائرة مطالب التنمية الحقيقية، والعيش في كابوس الفقر والبطالة وتردي الخدمات.
وفي مقدمة الأسباب التي ساقتها الكتل المعارضة موقفها الموحّد، الانحياز الواضح للكتلة الحاكمة لصالح مصالحها الضيقة، على حساب المشاريع التنموية والخدماتية، إذ يُعاني الإقليم منذ سنوات من تراجع ملحوظ في جودة البنى التحتية الصحية والتعليمية، بينما تتكدس الموازنات على جداول الحسابات المصرفية لمتنفذي القرار والأقارب المقربين، ورغم الوعود التي تُطلق مع كل استحقاق انتخابي أو تشريعي، إلا أن الشعب الكردي لم يرَ أي تحسّن ملموس على الأرض.
وبينما يبرّر الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني سيطرتهما على المشهد السياسي بحجة "الاستقرار" و"الخبرة" في إدارة شؤون الإقليم، يعيش المواطنون في المدن والقرى حالة من الاستياء الشديد تجاه ما اعتبروه “تحالفاً مصلحياً” يضربُ المصلحة العامة عرض الحائط.
فقد لوحظت شبهات فساد متكررة في مشاريع إعادة الإعمار وتحديث الشبكات الكهربائية والمياه، كما تراكمت الديون والإعانات دون محاسبة حقيقية أو محاكمات رادعة لكبار المسؤولين.
قرار المعارضة بمقاطعة الحكومة المرتقبة ليس تحرّكاً شكلياً، بل رسالة إنذار قوية لمن يقودون دفّة الحكم في أربيل
ويؤكد المراقبون، أن قرار المعارضة بمقاطعة الحكومة المرتقبة ليس تحرّكاً شكلياً، بل رسالة إنذار قوية لمن يقودون دفّة الحكم في أربيل.
واستمرار تفرد الحزبين بالحكم دون شراكة حقيقية سيُنذر بمزيد من الاحتقان الشعبي، وربما يُمهّد لموجة احتجاجات شعبية أكثر حدّة في المستقبل. وفي ظل هذا الواقع السياسي المتأزم، يبقى السؤال الأكبر مطروحاً: هل ستفي الكتل الحاكمة بالتزاماتها تجاه الجماهير، أم أنها ستواصل تأجيج أزمة الثقة القائمة بينها وبين شعبها، مخلّفةً وراءها مزيداً من الفصول المتعاقبة من الفساد ومعاناة الناس؟
التمثيل محصور بين الحزبين
وأعلنت أحزاب المعارضة في إقليم كردستان، وعلى رأسها الجماعة الإسلامية والجيل الجديد وجماعة العدل الكردستاني والاتحاد الإسلامي وكتلة الموقف وجبهة الشعب، حسم قرارها بعدم المشاركة في الحكومة المقبلة للإقليم، معتبرة أن التمثيل بات محصورا بين الحزبين الرئيسيين.
وقال عضو جماعة العدل الكردستاني ريبوار محمد أمين، في تصريح، اليوم الإثنين (21 نيسان 2025)، إن "المعارضة وصلت إلى قناعة راسخة بأن المشاركة في الحكومة لا تعود بأي نفع حقيقي على المواطن الكردي". مضيفا: "اختيارنا للمقاطعة جاء بعد أن أدركنا أن وجودنا داخل الحكومة لا يغير من الواقع شيئا، بل يجعلنا شهود زور على الفساد والسرقات ومعاناة الشعب".
انقسامات داخلية
في السياق ذاته، أكد مصدر كردي مطلع أن أحزاب المعارضة كافة قررت عدم خوض غمار السلطة، بينما لم تحسم حركة التغيير موقفها بعد، بسبب انقسامات داخلية تحول دون اتخاذ قرار نهائي.
وأوضح المصدر، أن "المكونات الأخرى من التركمان والمسيحيين ستشارك في الحكومة الجديدة، ومن المتوقع أن تُمنح لهم وزارتان ومنصب سكرتير البرلمان، في حين يُختصر التمثيل السياسي الفعلي داخل الحكومة بالحزبين التقليديين، ما يعيد الجدل حول مدى شمولية العملية السياسية في الإقليم".
وتأتي هذه التطورات في ظل أزمة سياسية متصاعدة في إقليم كردستان، حيث تتصاعد الانتقادات ضد هيمنة الحزبين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، على مفاصل السلطة، وسط اتهامات متكررة بالفساد، وسوء الإدارة، وتهميش باقي القوى السياسية.
احتكار القرار السياسي
وعلى مدى السنوات الماضية، حاولت أحزاب المعارضة الكردية الدخول في الحكومات المتعاقبة لتحقيق إصلاحات ملموسة، إلا أنها اصطدمت بجدار من المحاصصة الحزبية واحتكار القرار السياسي، ما دفعها إلى إعادة النظر في جدوى مشاركتها.
وقد تفاقم هذا الإحباط مع استمرار تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين، وتفاقم البطالة، وتأخر الرواتب، إلى جانب غياب الشفافية في إدارة الموارد، وخاصة عائدات النفط.
قرار المقاطعة الأخير يعكس تصعيداً سياسياً واضحاً، ويثير تساؤلات حول مستقبل التوازن السياسي في الإقليم، ومدى قدرة الحكومة القادمة على تمثيل كافة الأصوات الكردية، في ظل انسحاب قوى المعارضة من المشهد التنفيذي، وتحولها إلى موقع المراقبة والضغط الشعبي.
خلافات حول توزيع المناصب
وتسود أجواء من التشاؤم محادثات تشكيل حكومة إقليم كردستان، وسط قناعة شعبية بأن الحكومة المرتقبة لن تختلف عن سابقتها، بسبب استمرار النهج ذاته في الحكم، القائم على المحاصصة الحزبية والصفقات العائلية.
وكان المعارض الكردي غالب محمد قد حذّر من إعادة تكليف مسرور بارزاني، مؤكداً أن الحكومة ستكون محكومة بالفشل، في ظل تفرد الحزبين الرئيسيين بالسلطة وتفاقم الأزمات المعيشية.
وتشير التقديرات إلى أن الأحزاب الحاكمة لا تجد استعجالاً في تشكيل الحكومة الجديدة، خاصة مع مطالبة أطراف بتأجيلها لما بعد الانتخابات البرلمانية العراقية. في المقابل، يرفض الحزب الديمقراطي الكردستاني هذا التأجيل، ويؤكد أن نتائجه في الانتخابات تخوّله تشكيل الحكومة.
ورغم اللقاءات المتكررة بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، إلا أن الخلافات حول توزيع المناصب الكبرى لا تزال قائمة، وسط اتهامات بوجود أجندات خارجية تعرقل الاتفاق.
ويرى مراقبون أن استمرار الانقسام بين الحزبين الكبيرين، في ظل غياب أغلبية برلمانية واضحة، يعقّد المشهد السياسي، ويجعل تشكيل حكومة قوية وشاملة أمراً بعيد المنال، ما يزيد من معاناة الشارع الكردي، ويفتح الباب أمام احتجاجات أو عزوف سياسي أوسع في المرحلة المقبلة.