تقدُّم يتراجع والسيادة ينهار.. الحلبوسي والخنجر نحو حافة السقوط السياسي: انشقاقات في الداخل وغضب بالشارع

انفوبلس/..
بينما تستعد الساحة السياسية السُنية في العراق لدخول غمار الانتخابات البرلمانية المقبلة، يتصدر مشهدها اثنان من أبرز الشخصيات التي سيطرت على القرار السني خلال السنوات الماضية: محمد الحلبوسي وخميس الخنجر. غير أن الرياح لم تسِر بما تشتهي سفنهم فالتصدعات والانشقاقات داخل تحالفي تقدم والسيادة أصبحت سِمَة بارزة، تكشف تراجعاً واضحاً في نفوذهما الجماهيري والسياسي. والأنكى من ذلك، أن تحالفاتهما وتوجهاتهما الأخيرة – لا سيما ما يرتبط بالتعاطي مع حكومة الجولاني – أصبحت تمثل عبئاً أخلاقياً وسياسياً يصعب الدفاع عنه داخل الأوساط السنية.
*تحالفات مفككة وانقسامات متواصلة
المعطيات الميدانية تؤكد أن التحالفات السياسية التي يقودها الحلبوسي والخنجر أصبحت تفتقر إلى التماسك الداخلي. شخصيات وازنة في المشهد السني بدأت تغادر المركب، معلنةً تمردها على الهيمنة الفردية والإقصاء المتعمد الذي مارسه زعيما تقدم والسيادة. هذا ما أكده عضو تحالف الأنبار الموحد، محمد دحام، حين أشار إلى أن موجة الانشقاقات ستؤدي حتماً إلى فقدان عدد كبير من المقاعد النيابية لصالح تيارات سنية جديدة، قد تكون أكثر تمثيلاً للشارع وأقل انخراطاً في صفقات مشبوهة.
وقال دحام في حديث صحافي، إن "الأحزاب السياسية مثل تقدم والسيادة تعاني من انشقاقات داخلية، وهذا الأمر سيقود الى تراجعها جماهيريا وانتخابياً في المرحلة المقبلة".
وأضاف، إن "الانشقاقات داخل الأحزاب المذكورة ستقود الى نقصان عدد مقاعدها في مجلس النواب في الفترة المقبلة ما بعد الانتخابات، ويتزامن مع ذلك خسارة نفوذها في الوسط السياسي والسلطة".
وبين، إن "زيادة التفكك والانشقاق داخل أحزاب المكون الواحد تؤكد تراجع الحظوظ الانتخابية، خصوصا أن الحلبوسي قد فقد رئاسة البرلمان وتبعها الكثير من الانشقاقات في صفوف حزبه، إضافة للانشقاقات الحاصلة في الأحزاب الأخرى قبل إجراء الانتخابات".
*سقوط هيبة المنصب ونهاية “الدور الحاكم”
فقدان الحلبوسي لرئاسة البرلمان لم يكن مجرد تغيير إداري، بل كان إيذاناً بنهاية مرحلة استبدَّ فيها بالقرار السُني من بوابة المنصب السيادي. هذا السقوط فتح الباب أمام خصومه داخل وخارج تحالفه للطعن بشرعيته السياسية وشككوا في مدى تمثيله الحقيقي للشارع السني، لا سيما في ظل تصاعد خطاباته “النخبوية” وابتعاده عن أولويات المناطق المحررة ومشاكل أهلها من نازحين، وخراب البنى التحتية، وتهميش الكفاءات.
*لعنة الجولاني.. التحالف مع الإرهاب يهدد المستقبل السياسي
الانهيار الأخلاقي الأكبر الذي يلاحق الحلبوسي والخنجر هو موقفهما “الناعم” تجاه حكومة أحمد الشرع (الجولاني)، الزعيم الإرهابي الذي بات حاكماً فعلياً في سوريا بدعم أمريكي وإسرائيلي وتركي، كما تشير تقارير عديدة.
مواقف الحلبوسي والخنجر التي اتسمت بـ”الانفتاح” تجاه حكم الجولاني، أثارت غضباً واسعاً بين وجهاء وشيوخ العشائر في الأنبار والموصل وصلاح الدين، والذين اعتبروا أي تعامل مع تلك الحكومة طعنة في خاصرة الدماء العراقية التي أُزهقت على يد الجماعات الإرهابية.
عضو تحالف الأنبار المتحد، محمد الدليمي، ذهب أبعد من ذلك حين قال إن “شيوخ ووجهاء الأنبار أبلغوا الحلبوسي والخنجر براءتهم من أي مساعٍ لتقريب وجهات النظر مع الجماعات الإرهابية المرتبطة بالجولاني”، مشيراً إلى أن هذه المحاولات تمثل انحرافاً عن الإرادة الجمعية لأبناء المحافظات السنية الذين عانوا من الإرهاب وويلاته.
وفي تصريح تابعته شبكة انفوبلس، قال الدليمي إن "الانقسامات بين التحالفات السنية تنذر بانهيار تحالفي تقدم بزعامة محمد الحلبوسي والسيادة بزعامة خميس الخنجر إثر تأييدهما لحكم مجاميع الجولاني الإرهابية، في حين تعارض بقية التحالفات هذا النظام ورفضها التعامل مع شخصية إرهابية متورطة بقتل عراقيين".
وأضاف، إن "مساعي الحلبوسي والخنجر لإقناع بقية التحالفات السياسية السنية بتأييد حكومة الجولاني باعتبارها متورطة في قتل عراقيين، ورفض التعامل مع هذه الحكومة التي جاءت بمباركة أمريكية وصهيونية".
وفي النهاية، أكد الدليمي أن "شيوخ ووجهاء الأنبار أبلغوا الحلبوسي والخنجر براءتهم من مساعي تقريب وجهات النظر بين التحالفات السياسية المعارضة لإقامة أي علاقات مع الجولاني، كونه مطلوبًا قضائيًا بتهم تتعلق بالإرهاب".
*صفقات الخارج ومباركة الاحتلال
تحركات الحلبوسي والخنجر على الساحة الإقليمية والدولية باتت محل تساؤل. دعمهما الضمني أو الصريح لجهات خارجية، ومحاولات الترويج لواقع “سني مستقل” في غرب العراق بغطاء أمريكي – إسرائيلي، تكشف عن محاولة لإعادة إنتاج مشاريع التقسيم تحت يافطة التوازنات الطائفية. غير أن الفشل الذريع في تحويل هذه التصورات إلى واقع على الأرض، أثبت أن جمهورهم لم يعد قابلاً للانجرار خلف شعارات تُدار من خارج الحدود.
*مستقبل غامض وانتفاضة قاعدية وشيكة
تدل المؤشرات الحالية على أن الشارع السني، وخاصة في الأنبار والموصل، بدأ يفكر فعلياً في بناء بدائل حقيقية عن النخب السياسية التقليدية التي أرهقته بالفساد والتقصير والتحالفات المشبوهة. الحديث عن تحالفات شبابية جديدة، ومبادرات عشائرية لدعم مرشحين مستقلين، وعودة بعض الشخصيات الوطنية من منفاها السياسي، قد يفرز مشهداً مغايراً تماماً في الانتخابات المقبلة.
*نهاية عصر التسلط السني باسم الزعامة
محمد الحلبوسي وخميس الخنجر باتا اليوم يواجهان أكبر تحدٍ في مسيرتهما السياسية. فبعد سنوات من فرض النفوذ والتمثيل الحصري، أصبحا محاطَين بشكوك الداخل ومقاطعة الخارج، ومتورطين في ملفات أخلاقية ووطنية تمس صميم القيم التي دافع عنها أبناء المناطق المحررة. ومع اقتراب الانتخابات، يبدو أن مرحلة “الزعيم الأوحد” في البيت السني قد انتهت فعلياً.
ورجّح السياسي المستقل، عائد الهلالي، تصاعد وتيرة الانقسامات داخل البيت السياسي السني، مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في تشرين الثاني المقبل.
وقال الهلالي في تصريح، إن "الحديث عن تأجيل الانتخابات لم يعد مطروحاً، إذ تم الاتفاق بين الحكومة والأطراف السياسية على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد بنهاية العام الجاري".
وأضاف، إن "المرحلة المقبلة ستشهد تصاعد الانشقاقات داخل المكون السني، نتيجة تزايد الطموحات الفردية والشخصية لدى عدد من القيادات السياسية في هذا البيت، ما قد ينعكس على تماسكه الانتخابي".
وأشار الهلالي إلى أن "عدداً من الشخصيات السنية بدأت بالعودة إلى الواجهة استعداداً لخوض الانتخابات، في وقت تراجعت فيه شعبية رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، ما يزيد من حدة الانقسامات داخل المكون".