رغد صدام حسين تظهر في ذكرى إعدام والدها المقبور.. ماذا وراء التلميحات المثيرة للجدل؟
انفوبلس/ تقرير
على مدار السنوات الطويلة الماضية، اعتادت رغد صدام حسين الخروج في وسائل إعلامية عربية تمجّد بها وبحكم والدها والبعث المقبور، وآخرها في ذكرى إعدام والدها 30 ديسمبر/ كانون الأول، لتطلق تصريحات وتلميحات أثارت جدلا داخل الأوساط الشعبية والسياسية العراقية، فماذا قالت وما غايتها من ذلك؟
لم ينحصر هَول مفاجأة العراقيين بداية الألفية الثالثة برؤيتهم الدبابة الأميركية وسط العاصمة بغداد في غزو قادته الولايات المتحدة لبلادهم عام 2003، أطاحت من خلاله بنظام الرئيس المقبور صدام حسين فحسب، بل سرعان ما وسّعت هذه البداية سقف المفاجآت بمشاهدة صدّام نفسه على منصّة الإعدام وقد لُفّ حبل المشنقة حول عنقه صبيحة 30 ديسمبر/كانون الأول 2006، والذي وافق أول أيام عيد الأضحى المبارك وقتذاك.
*ماذا قالت رغد؟
في الذكرى السنوية لإعدام والدها صدام حسين، أصدرت رغد صدام حسين بيانًا صوتيًا تناولت فيه الأحداث التي شهدها العراق بعد 2003 إضافة إلى الأحداث السورية وما شهدته المنطقة من حروب.
وذكرت رغد في التسجيل الصوتي، "إننا لن نقبل بعراق مقسم طائفي وسنبني العراق معا". مشيرة إلى "أني سأكون على قدر عال من تحمل المسؤولية".
وتابعت، "لن أكون خلف الكواليس". كما زعمت أنه لا يحق لأحد منعها من العمل السياسي إذا اختار العراقيون ذلك.
مراقبون تساءلوا "ماذا يعني ذلك؟". مضيفين، "هل هو كلام عبثي يهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في العراق، أم إنها أحلام يقظة تطلقها لكسب عطف الجمهور رغم أن الجميع يعلم حقيقة حكم والدها لمدة 35 عاما وإلى أين أوصل العراق من حروب ومآسٍ أحرقت الأخضر واليابس معا".
واعتادت رغد على مدار سنين طويلة بالخروج في وسائل إعلامية تمجّد بها وبحكم والدها والبعث المقبور كي تكسب الرأي العام من خلال تلميع صورة صدام حسين بعد ما حققه من دمار تجاه العراقيين الذين عاشوا أسوأ حقبة في تاريخ العراق.
إلا أن الشعب العراقي يعي جيدا من هو صدام حسين ونتاجاته التي أغرقت العراق في ديون استمر لسنوات طويلة بتسديدها. إضافة الى المقابر الجماعية التي ضمت الأطفال والنساء وكبار السن وأبرياء لا حول لهم ولا قوة سوى أنهم من هذه الطائفة أو هذا المكون، وفق المراقبين.
إلا أن الكثير يسأل: "ما الهدف من خروجها سنويا بذكرى إعدام والدها والإدلاء بتصريحات لن تغير شيئا على أرض الواقع؟".
كما نشرت رغد ابنة الرئيس العراقي مقتطفات من مذكرات والدها التي كتبها أثناء وجوده بالمعتقل وبعد إصدار حكم الإعدام بحقه عام 2006.
في المشهد السياسي العراقي، لا تكاد تمر مناسبة أو أزمة مرتبطة بأوضاع البلاد، دون ذكر حزب البعث المحظور الذي انتهى مع سقوط نظام صدام حسين، إذ يحذر رؤساء الوزراء وقادة الكتل السياسية الذين تسلموا نظام الحكم بعد العام 2003، بين الحين والآخر من عودة نشاطه و"استغلال الأوضاع".
لكن وتيرة التحذيرات من حزب البعث المنحل، تصاعدات خلال الأيام الأخيرة، حيث شدد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في 26 كانون الأول الجاري، على أهمية المراقبة "الدقيقة" لتواجد حزب البعث المحظور بالعراق أو أي تشكيل آخر له صلة به.
تحذيرات السوداني، جاءت بعد حوالي شهر من تحذيرات رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي من عودة نشاط البعث، وبعد أيام قليلة من العثور على رفات "نحو مائة" امرأة وطفل كوردي، يُعتقد أنهم أُعدموا في ثمانينيات القرن الماضي، بمقبرة جماعية في منطقة تل الشيخية في محافظة المثنى، بجنوب العراق.
ولم يكتفِ، المالكي وهو رئيس ائتلاف دولة القانون، بالتحذيرات السابقة التي أطلقها قبل حوالي شهر وقبل سنوات عندما كان رئيساً للوزراء، من عودة حزب البعث المحظور، بل دعا إلى "دعم هيئة المساءلة والعدالة في إجراءاتها لمنع عودة عناصر البعث إلى الحياة السياسية والتسلل لمؤسسات الدولة".
ويشكك كثيرون بخطاب السياسيين وقادة الكتل حول تحذيرات حزب البعث، إذ يعود تشكيكهم إلى أن هذا الحزب انتهى ولم يعد له وجود، خاصة أن آخر مكان يحكم فيه، هو سوريا، شهد سقوطاً مدوياً له، مشيرين إلى أن التحذيرات العراقية تأتي في محاولة خلق عدو وهمي "لا وجود له".
وائل عبد اللطيف، وهو وزير ونائب سابق، وأحد أعضاء مجلس الحكم الانتقالي في العراق بعد عام 2003، يؤكد أن النظام الذي جاء بعد سقوط صدام حسين لم يتمكن من إنهاء حزب البعث خلال 20 عاماً بالرغم من تجريم "البعث" في العراق.
ويقول عبد اللطيف، إنه "عندما بدأ النظام الجديد في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين في نيسان عام 2003، كانت هناك هيئة اجتثاث البعث بقيادة الراحل أحمد الجلبي".
ويضيف الوزير والنائب السابق، إن "هيئة اجتثاث البعث تحولت فيما بعد إلى هيئة المساءلة والعدالة، ومنذ ذلك الحين والنظام الحالي يتابع قضية اجتثاث البعث".
وأشار إلى، أن "مجلس النواب أصدر قانوناً في وقت سابق، يجرّم حزب البعث، لكن رغم ذلك لم تتمكن الأحزاب السياسية والقوى من إنهاء حزب البعث بشكل نهائي".
وكان مجلس النواب العراقي قد أقرّ في شهر تموز/يوليو العام 2016 مشروع قانون حظر حزب البعث والكيانات المنحلة والأحزاب والأنشطة العنصرية والإرهابية والتكفيرية.
ويرى القاضي عبد اللطيف أن "حزب البعث موجود في الأردن وأميركا وفي أماكن من العراق"، مشدداً على "ضرورة متابعة تواجدهم الفعلي في العراق من قبل السلطات الأمنية ومراقبة تحركاتهم ومعرفة أهدافهم تجاه المرحلة المقبلة".
ويقول عبد اللطيف، إن "الكيان الإسرائيلي زرع أشخاصاً في جميع دول العالم لمعرفة ما يجري في الداخل، فهل العراق عاجز عن إرسال أشخاص إلى الأردن وأميركا وبقية الدول التي يتواجد فيها حزب البعث؟".
من جهته، يرى القيادي في الإطار التنسيقي، عائد الهلالي، أن التحذيرات الأخيرة من عودة نشاط حزب البعث مرتبطة بتزايد التوترات الأمنية في المنطقة.
ويذكر الهلالي، أن "حديث رئيس الوزراء عن المراقبة الدقيقة لوجود حزب البعث في العراق، وكذلك تحذير رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي من نشاط خلايا الحزب، يأتي في إطار تطورات الوضع الأمني والسياسي في العراق والمنطقة".
ووفق القيادي بالإطار التنسيقي الحاكم، فإنه "بالرغم من تفكيك حزب البعث بشكل رسمي في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، إلا أن هناك تقارير متعددة تشير إلى أن بعض خلايا الحزب ما زالت نشطة في بعض المناطق، سواء في العراق أو حتى في سوريا".
ويلفت الهلالي إلى "وجود بعض المعارضين للنظام الحالي، ويدعون إلى استعادة نفوذ حزب البعث".
وأشار إلى أن "التحذيرات الأخيرة قد تكون مرتبطة بتزايد التوترات الأمنية في المنطقة، لا سيما في ظل الأزمات السياسية والعسكرية التي تواجهها بعض الدول العربية".
ويحذر القيادي في الإطار التنسيقي، "من عودة حزب البعث مجدداً على شكل جماعات، مستغلين الأوضاع التي يشهدها الشرق الأوسط، والفراغات الأمنية أو تراجع السلطة في بعض الأماكن".
ويستبعد الهلالي "عودة حزب البعث ككيان سياسي قوي، ولكنه قد يستغل وضع الفوضى ويعود على شكل جماعات تزعزع الاستقرار أكثر مما هو عليه الآن".
"تواصل بين البعثيين ورغد صدام"
بدوره، يؤكد المستشار العسكري السابق اللواء المتقاعد صفاء الأعسم، وجود تواصل بين "البعثيين" فيما بينهم ومع رغد صدام حسين، ابنة رئيس النظام العراقي السابق.
ويقول الأعسم، إن "هناك الكثير من أعضاء حزب البعث المنحل داخل العراق وخارجه، معترضون على سياسة الحكم الحالي، كون مصالحهم قد تضررت".
"بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، تحركت نسبة كبيرة من البعثيين العراقيين نتيجة شعورهم بالخطورة"، يذكر الأعسم. ويضيف، إن "أغلب اؤلئك البعثيين اتجهوا نحو بغداد وإقليم كردستان".
ولفت إلى "وجود تواصل بين البعثيين فيما بينهم عبر مجموعات الواتساب، وترتيبات لعودة نشاطهم بالاتصال مع رغد صدام حسين، ابنة رئيس النظام العراقي السابق، في الأردن".
ويستبعد المستشار العسكري السابق، عودة حزب البعث المنحل قائلاً إن "البعث انتهى منذ العام 2003، ولم يبقَ منه من يستطيع التغيير أو العودة لنشاطه، وكل ما يفعلونه مجرد أحلام".
وعمليا، فإن العراق يخلو من تواجد أي بعثيين فاعلين، وأن ما تبقى من الحزب، هم بعثيون غير مؤثرين ربما، وظيفتهم الاحتفال بعيد ميلاد صدام حسين المقبور في كل عام، يقول مراقبون.
ماذا نعرف عن رغد صدام حسين؟
ابنة الرئيس العراقي المقبور صدام حسين من زوجته ساجدة خير الله، وأرملة حسين كامل المجيد الذي انشق عن نظام صدام وهرب إلى الأردن، قبل أن يعود إلى العراق وتتم تصفيته عام 1996.
عُرف عنها تأثرها الكبير بشخصية والدها، وظهرت مدافعة قوية عنه وعن نظامه الإجرامي بعد الاحتلال الأميركي للعراق.
وُلدت رغد صدام حسين يوم 2 سبتمبر/أيلول 1968 في العراق، سنة وصول والدها ورفاقه للسلطة في البلاد إثر انقلاب عسكري عُرف في ما بعد بثورة 17-30 يوليو/تموز، فعاشت في بيت حكم وسلطة، حيث كان والدها نائبا للرئيس قبل أن يصبح الحاكم الفعلي، وكان خالها خير الله طلفاح وزيرا للدفاع ومن أبرز القادة العسكريين في تلك الفترة.
أمها ساجدة خير الله طلفاح الزوجة الأولى لصدام حسين وابنة خاله وأم أبنائه، وقد تزوجت رغد من رئيس هيئة التصنيع العسكري حسين كامل، وكانت هي وأختها الصغرى حلا برفقة زوجيهما الشقيقين حسين وصدام كامل في الأردن بعد هربهما إثر انشقاقهما عن نظام صدام عام 1996.
عادت مع زوجها وأولادها بعد وعود بالعفو عنه وعن شقيقه إذا ما عادا، وما إن وصلت وأختها إلى هناك حتى تمَّ الفصل بينهما وبين زوجيهما اللذين سُلّما لعشيرتيهما ليُقتلا بدعوى الخيانة.
وبعد احتلال الولايات المتحدة للعراق سنة 2003، لجأت رغد إلى الأردن مع أولادها واستقر بها العيش هناك.