عدد المسجلين أكثر من مقاعد البرلمان! مطالبات بتعديل قانون الأحزاب بعد 10 سنوات من التطبيق

انفوبلس/ تقرير
أظهرت مؤشرات عن تجاوز عدد الأحزاب في العراق عدد مقاعد مجلس النواب بالوقت الحالي، في دلالة واضحة على زخم كبير لتشكيل الأحزاب والكيانات بغية المشاركة في العملية السياسية، فهل سيعود السِّجال حول ارتفاع عدد نواب البرلمان اعتماداً على نتائج التعداد السكاني؟
وأظهرت النتائج النهائية للتعداد العام للسكان، في 24 شباط/ فبراير الماضي، أن عدد سكان العراق يبلغ 46 مليوناً و118 ألف نسمة، بعدما ذكرت النتائج الأولية التي أُعلنت في تشرين الثاني نوفمبر 2024 أن عدد السكان يبلغ 45 مليوناً و407 آلاف نسمة.
333 حزباً في العراق
بحسب المحامي حازم الرديني، نائب رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، فإن عدد الأحزاب المسجلة رسمياً في دائرة الأحزاب والتنظيمات السياسية بلغ 333، وهناك أكثر من 50 حزباً قيد التأسيس، وهو أكبر من عدد أعضاء مجلس النواب العراقي والبالغ 329 عضواً.
وطالب الرديني بضرورة "إجراء تعديل على قانون الأحزاب بعد مرور عشر سنوات من التطبيق، على أن يتضمن سحب إجازة الحزب المسجل لدى دائرة الأحزاب إذا لم يشترك بعمليتين انتخابيتين، لأن الغاية من تأسيس أي حزب هو المشاركة في العمليتين السياسية والانتخابية".
كما دعا المحامي العراقي إلى إلزام الأحزاب بأن تكون لها مقار في أكثر من محافظة لضمان جدية العمل، وضرورة متابعة أعمال الأحزاب المسجلة بشكل دوري وأهمها خطابها السياسي الذي يحرض في أغلب الأحيان على مقاطعة الانتخابات والعملية السياسية.
وخلال الأسابيع الماضية، أُعلن من العاصمة بغداد ومحافظات أخرى تأسيس أحزاب عدة، آخرها كان حزب الاستقلال الوطني بقيادة عضو مجلس النواب سجاد سالم. وذكر سالم في بيانه التأسيسي أنه "يلتزم ببناء دولة حديثة، تقوم على ضمان الحقوق والحريات، وترسيخ قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية، والابتعاد عن كل أشكال الطائفية والفساد"، مبيناً أن "الاستقلال ليس مجرد تنظيم سياسي جديد، بل هو تعبير حيّ عن إرادة فئات واسعة من العراقيين الذين سئموا الاستبداد السياسي والتهميش والتبعية".
ويقول مستشار الحكومة عائد الهلالي، إن "العراق يُعد من أكثر دول المنطقة من ناحية تسجيل الأحزاب السياسية، وحتى لو أن الحزب غير مؤثر على المستوى الشعبي أو الاجتماعي وحتى السياسي، فإن سهولة الإجراءات في تسجيله تؤكد على مبادئ الديمقراطية في المشاركة بالعمل السياسي وصولاً إلى منافذ الحكم في البلاد"، مؤكداً أن "معظم هذه الأحزاب يصل في النهاية إلى حالة التحالفات المعروفة، سواء قبل الانتخابات أو بعدها، وهي الحالة المعمول بها في البلاد".
وأكمل، إن "تسجيل الأحزاب في العراق بهذا العدد يؤكد الرغبة الجماعية في الاشتراك بحكم البلاد ويشرح المسؤولية الاجتماعية التي يتحلى فيها العراقيون، خصوصاً في ظل الارتفاع السكاني الكبير والطاقات الشابة في مواكبة التطورات السياسية"، معتبراً أن "التعددية السياسية تشرع الكمية الوفيرة من الأفكار، لكن في النهاية ومن جراء المشروعية الشعبية تصل الحالة العراقية إلى نوعية سياسية فريدة، وهو أمر إيجابي بكل تأكيد".
إن ما يحدث في العراق يمكن تسميته بالديمقراطية الشكلية، أي إن المسؤولين والمشرفين ومديري النظام السياسي في العراق يمنحون الفرصة للشباب والنخب لتسجيل الأحزاب والمشاركة الصورية بالحياة السياسية، بل والمشاركة في الانتخابات، لكن عدداً قليل جداً من الأحزاب هو الذي يتمكن من الحكم، وهي الأحزاب ذاتها التي تسيطر على البلاد، التي لا يتجاوز عددها 15 حزباً، بحسب الناشط السياسي علي الحجيمي.
وأوضح الحجيمي، أن "الأحزاب الحاكمة معروفة وهي جاثمة على صدور العراقيين ولا تقبل التنازل عن وجودها، وما تسجيل الأحزاب الجديدة إلا لأمرين، إما لأن هذه الأحزاب تتبع للأحزاب التقليدية نفسها، أو أنها أحزاب وطنية لكن فرص نجاحها ضئيلة جداً".
ووجد الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي أن "معظم الأحزاب العراقية سواء الجديدة أو القديمة بلا قواعد جماهيرية حقيقية في البلاد، وبالتالي فإن فرص التغيير في ظل وجود السلاح المهيمن على المشهد العام ضعيفة"، مؤكداً أن "الفترة المقبلة ستشهد ولادة أحزاب جديدة، لكن المشكلة بنيوية فيها، وهي أن هذه الأحزاب انطلقت من وجهات نظر سياسية من ناشطين سياسيين ورجال أعمال، من دون الاهتمام بتكوين العلاقة مع المجتمع".
وشهد العراق بعد الغزو الأميركي في عام 2003، خمس عمليات انتخاب تشريعية، أولاها في عام 2005 (قبلها أُجريت انتخابات الجمعية الوطنية التي دام عملها أقل من عام)، والأخيرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وتمّ اعتماد قانون الدائرة الواحدة لكل محافظة في النسخ الأربع الأولى، والانتخابات الأخيرة في عام 2021 أُجريت وفق الدوائر المتعددة.
سجال نتائج التعداد السكاني وزيادة عدد النواب
بالتزامن مع تصويت مجلس الوزراء، على تحديد يوم 11 من شهر تشرين الثاني نوفمبر من العام 2025 موعداً لإجراء الانتخابات التشريعية، وإعلان نتائج التعداد السكاني في العراق مؤخراً، للمرة الأولى منذ عام 1997، عاد السجال حول ارتفاع عدد نواب البرلمان اعتماداً على نتائج التعداد.
وأعلن النائب علي المشكور، مؤخراً عن اللجوء إلى المحكمة الإتحادية لزيادة عدد مقاعد البرلمانية لمحافظة البصرة، ملوّحاً بتأجيل الانتخابات إذا لم يتم ذلك. وقال المشكور في حوار متلفز تابعته شبكة "انفوبلس"، إنه "سيرفع دعوى لدى المحكمة الإتحادية لزيادة مقاعد محافظة البصرة البرلمانية، وفق الدستور والتعداد السكاني الأخير والذي أظهر أن المحافظة مستحقة 40 مقعدا برلمانيا"، متسائلا: "لماذا أفرط بهذه المقاعد".
وحول ما إذا كان ذلك سوف يسفر عن تأجيل الانتخابات لعدم استطاعة المفوضية لإجراء الانتخابات في ظل زيادة المقاعد البرلمانية لضيق الوقت، أكد قائلا: "سأؤجل 100 انتخابات في سبيل نيل حقوق أهل البصرة"، مضيفا أن "التعداد السكاني رسمي وتم وفق الدستور وأي شخص سيرفع دعوى لدى المحكمة الاتحادية بشأن المقاعد البرلمانية فسوف يكسبها".
ووفق ما نص عليه الدستور العراقي لعام 2005، بإمكان عدد مقاعد البرلمان أن يصل إلى 600 بمرور السنوات المقبلة، لكن الأمر يخضع إلى تفسير المادة 49 من الدستور، التي تنص على أن مجلس النواب يتكون من نائب لكل 100 ألف نسمة. مع العلم أن أول انتخابات برلمانية في 2005، أدت لوصول 275 نائباً إلى البرلمان، ليرتفع إلى 329 نائباً في الدورات اللاحقة، رغم عدم وجود تعداد سكاني دقيق.
ووفق معلومات، يسعى هؤلاء النواب إلى تطبيق مبدأ "نائب لكل 100 ألف مواطن"، وهو ما يبدو ظاهرياً تبريراً قانونياً لتعزيز التمثيل الشعبي. لكن تحليلات عديدة أشارت إلى أن هذه الخطوة قد تخفي أهدافاً سياسية أعمق، أبرزها محاولة كسب الوقت وتأجيل الانتخابات المقبلة.
وبعدها، أكد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، نهاية العام الماضي، أن المادة (49 أولاً) من الدستور تحدد عدد النواب بمعدل نائب واحد لكل 100 ألف نسمة، وأن هذا المعيار الدستوري ظل معطلاً في السنوات الماضية بسبب عدم وجود إحصاء سكاني حديث، حيث تم اعتماد تقديرات سكانية قديمة تشير إلى أن عدد سكان العراق كان 32.9 مليون نسمة، ما أدى إلى تحديد عدد أعضاء البرلمان بـ329 نائباً.
وأشار الغراوي إلى أنه لا يمكن اعتماد العدد المعلن البالغ 45 مليون نسمة في تعداد 2024 لتغيير عدد أعضاء مجلس النواب من 329 إلى 453 نائباً، لأن ما جرى هو تعداد سكاني وليس إحصاء شامل، كما ينص الدستور، لافتا الى أن التعداد الحالي أغفل فقرات القومية والديانة، وهي معلومات أساسية في الإحصاء السكاني الشامل، كما أن المادة 49 من الدستور تعد من المواد القابلة للتعديل.
وأضاف الغراوي، أن تغيير عدد المقاعد البرلمانية وفقاً للنسبة المعلنة سيكلف الدولة ميزانيات ضخمة، مؤكدًا أن العديد من الدول المستقرة دستورياً أبقت على عدد مقاعد مجلس النواب ثابتاً بغض النظر عن الزيادة السكانية، لأن من غير المنطقي أن يرتفع عدد المقاعد من 329 نائباً إلى 453 نائباً استناداً للتعداد السكاني لعام 2024، ليصبح 800 مقعد في حال بلغ عدد السكان 80 مليون نسمة بحلول عام 2050، مما قد يساهم في عدم استقرار الدولة.
وطالب، الحكومة والبرلمان بالعمل على تعديل المادة (49) بإلغاء فقرة "نائب لكل 100 ألف نسمة" وتثبيت العدد بحد أقصى لا يتجاوز 329 نائباً، وعرض هذا التعديل للاستفتاء في نفس يوم الانتخابات البرلمانية القادمة، لتجنب الأعباء المالية على موازنة الدولة وتسهل عملية تصويت المواطنين على التعديل.
قانونياً، قال الخبير القانوني من بغداد، علي التميمي، إن "تفسير المادة 49 سيُحدد آلية العمل في المستقبل، ما إذا ستتم زيادة عدد المقاعد البرلمانية. وبكل الأحوال فإن انعكاس نتائج التعداد السكاني في العراق وزيارة عدد النواب إلى 450، هو عدد كبير، بالتالي لا بد من تدخل المحكمة الاتحادية وحل هذا الإشكال".