ماكرون قريبا في بغداد.. شراكة استراتيجية جديدة بين العراق وفرنسا تتصدرها الطاقة والدفاع

انفوبلس..
خلال الشهر المقبل، يستعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيارة رسمية إلى العراق، على رأس وفد رفيع يضم مسؤولين بارزين، لتوقيع اتفاقيات استراتيجية في مجالات الطاقة والتسليح. الزيارة تتزامن مع عقد مؤتمر بغداد المرتقب، وسط تطلعات لتعزيز الشراكة الإقليمية والدولية، وترسيخ دور العراق في الاستقرار والتنمية.
وبحسب صحف عالمية ومسؤولين محليين، يعتزم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إجراء زيارة رسمية إلى العراق على رأس وفد وزاري "ضخم"، يضم مسؤولين عسكريين وأمنيين واقتصاديين، وسط تأكيدات على أن هذه الزيارة ستشهد توقيع اتفاقيات ثنائية مختلفة بين البلدين، أبرزها في مجالات الطاقة والتسليح العسكري.
ووفقاً لمسؤول رفيع في وزارة الخارجية العراقية سيشارك ماكرون في "مؤتمر بغداد"، الذي عُقدت نسخ سابقة منه في عامي 2021 و2022 بمشاركة قادة ورؤساء حكومات دول جوار العراق، وكان مقرراً أن تُعقد نسخة ثالثة من المؤتمر في عام 2023 إلا أنه جرى تأجيله بسبب الحرب الصهيونية على قطاع غزة، المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بالإضافة إلى التصعيد الإيراني الأميركي.
وأكد المسؤول أن "مؤتمر بغداد سيُعقد قريباً بحضور الرئيس إيمانويل ماكرون، وقادة من دول جوار العراق"، مشيراً إلى أن "رفض فرنسا إشراك سوريا بأعمال القمتين السابقتين انتفى، وقد توجّه دعوة لدمشق لحضور القمة".
من جهته، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، عامر الفايز، إن العراق وفرنسا شكّلا لجاناً مشتركة، وباشرت فعلاً في ترتيب الملفات التي سيجري بحثها خلال زيارة ماكرون إلى بغداد، التي من المتوقع أن تجري في شهر يونيو/حزيران المقبل.
وأضاف الفايز أن "مؤتمراً سيجري ترتيبه خلال وجود ماكرون لقادة دول جوار العراق"، مؤكداً أن "العراق يعمل على ترتيب كل الإجراءات الأمنية واللوجستية من أجل زيارة ماكرون المرتقبة، خاصة أن هذه الزيارة مهمة جداً بالنسبة للعراق على مختلف الأصعدة، كذلك هي تعطي دعماً كبيراً للعراق وتبيّن أهميته في المنطقة والعالم، خاصة في ظل التطورات الأخيرة والمتغيرات الإقليمية والدولية".
وعن أبرز الملفات التي سيبحثها ماكرون مع القيادة العراقية أشار الفايز إلى أن الزيارة "ستركز على الملفات الأمنية والعسكرية، وكذلك إمكانية عقد صفقات تسليح جديدة مع العراق، والملفات الاقتصادية والاستثمارية وأهمية مشاركة الشركات الفرنسية بمختلف القطاعات للعمل في العراق، إضافة إلى تطورات المنطقة، والتأكيد على أهمية أن يكون العراق جزءاً من عملية الاستقرار وليس جزءاً من عملية الحرب".
وقال سفير العراق الأسبق في فرنسا، غازي فيصل، إن "فرنسا تمثل نافذة مهمة للعراق على الصعيد العلاقات العراقية الأوروبية، والزيارة المرتقبة لماكرون إلى بغداد هي مفتاح جديد لعلاقات التعاون الوثيق ما بين البلدين، خاصة مع أهمية المشروع الاستراتيجي العملاق لطريق التنمية من الفاو، فالعراق يحتل هذا الموقع الاستراتيجي المهم للدول الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا".
وأضاف فيصل أن "زيارة ماكرون ترتبط بعقد مؤتمر بغداد للتعاون والتكامل الإقليمي والدولي، وهذا المؤتمر هو مشروع مهم لماكرون على اعتبار أن لفرنسا دوراً استراتيجياً مهماً على صعيد العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط".
وأشار إلى أن "نظرية فرنسا بالأساس، هي الذهاب نحو التكامل الاقتصادي والتعاون بمختلف المجالات، ولهذا شكل مؤتمر بغداد الأول والثاني محطة مهمة جداً للتعاون والتكامل الاقتصادي والطاقة والأمن والبيئة، وإعادة بناء القاعدة الصناعية والزراعية، وغيرها الكثير".
وأوضح فيصل أن "مؤتمر بغداد يشكل تجمعاً يمكن أن يتطور إلى سوق إقليمي اقتصادي حيوي لبلدان الشرق الأوسط، وبناء مشاريع الأمن والسلام للأمم المتحدة، ولهذا فإن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بغداد لن تكون زيارة بروتوكولية تقليدية، بل ستكون زيارة من أجل إعادة بناء مؤتمر بغداد"، مشيراً إلى أن "الزيارة ستشهد عقد اتفاقات مهمة بمجال التسليح، إضافة إلى استمرار توثيق العلاقات التجارية، وعقد صفقات مختلفة بمجال تطوير القدرات العسكرية للقوات العراقية".
وبالمقابل، قال الباحث في الشأن السياسي والاستراتيجي، نجم القصاب، إن "اهتمام باريس المتزايد بدور العراق في الشرق الأوسط يتمثل بتكرار زيارات المسؤولين الفرنسيين للعراق"، مبيناً أن "الزيارة المرتقبة، تهدف لتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، وتفعيل الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنى التحتية والدفاع، في ظل تحوّل العلاقة من مجاملة دبلوماسية إلى شراكة استراتيجية".
وأضاف القصاب أن "العلاقات العراقية الفرنسية تمتد لعقود، وشهدت في السبعينيات والثمانينيات تعاوناً واسعاً، خاصة في مجالات الطاقة والتسليح، وعلى الرغم من التراجع بعد 2003، فإن فرنسا بقيت داعماً سياسياً للعراق، وعملت على تعزيز الشراكة مجدداً في السنوات الأخيرة، لا سيما من خلال استثمارات شركة توتال إنيرجي التي وقعت اتفاقاً بقيمة 27 مليار دولار لتطوير الغاز والطاقة المتجددة وتقليل حرق الغاز المصاحب"، مشيراً إلى أن "قمة بغداد المقررة خلال زيارة ماكرون، تمثل فرصة لإعادة تموضع العراق إقليمياً ودولياً، وتأكيد استقلالية قراره السياسي، وإذا كانت القمم السابقة ذات طابع رمزي فإن التحدي الآن يكمن في تحويل هذا الزخم إلى اتفاقات تنفيذية ومشاريع ملموسة تخدم الطرفين، وتعزز دور فرنسا فاعلاً رئيسياً في أمن الطاقة في الشرق الأوسط، والعراق بصفته شريكاً محورياً في الإقليم".
وعُقدت النسخة الأولى من "مؤتمر بغداد" في العاصمة العراقية في أغسطس/آب 2021، فيما عُقدت الثانية بالعاصمة الأردنية عمان في ديسمبر/كانون الأول 2022، بمشاركة إقليمية وعربية واسعة. وفي مطلع عام 2023، وقع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع ماكرون، عُدّت الأولى من نوعها بين بغداد وباريس، وتضمنت 50 مادة تعاون، أبرزها تعزيز التعاون الأمني والدفاعي، وتسهيل التزوّد بالمعدات الحربيّة فرنسية الصنع، وتفعيل تبادل المعلومات والاستخبارات العسكريّة بين الطرفين، بحسب بيانات رسمية مشتركة من الطرفين.
وبحسب مراقبين، تُعد زيارة ماكرون خطوة مهمة نحو تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين العراق وفرنسا، اللتين تجمعهما علاقات تاريخية وطيدة. ومن المتوقع أن تركز الزيارة على توقيع اتفاقيات جديدة بين الجانبين، تهدف إلى توسيع التعاون في عدد من المجالات الأساسية التي تهم العراق في مرحلة ما بعد الحرب، حيث يسعى العراق إلى إعادة بناء اقتصاده وتعزيز قدراته الأمنية والعسكرية.
من أبرز المجالات التي يُتوقع أن تشهد تطورًا ملحوظًا خلال الزيارة، قطاع الطاقة، الذي يعد من الأولويات بالنسبة للعراق. في هذا السياق، يُتوقع أن يتم توقيع اتفاقيات تعاون تكنولوجي واستثماري في مجال النفط والغاز، وهو ما يُعد خطوة هامة في تعزيز الاستثمارات الفرنسية في العراق.
الزيارة تشمل أيضًا الجانب العسكري، حيث سيضم الوفد الفرنسي مسؤولين أمنيين وعسكريين يتباحثون مع نظائرهم العراقيين حول تعزيز التعاون في محاربة الإرهاب وتأمين الحدود. يأتي هذا التعاون في وقت حساس حيث يعكف العراق على تكثيف جهود مكافحة الإرهاب في ظل تحدياته الأمنية المستمرة.
ويُتوقع أن تترك هذه الزيارة أثرا كبيرا على مسار التعاون العسكري بين البلدين، لا سيما في مجالات التدريب وتوفير المعدات الحديثة لقوات الأمن العراقية. كما أن توقيع اتفاقيات في هذا المجال قد يكون له تأثير إيجابي في تعزيز قدرة العراق على مواجهة التهديدات الأمنية، خاصة في ظل التحديات التي تفرضها الجماعات الإرهابية.
من جانبها، أكدت الحكومة الفرنسية على التزامها بمواصلة دعم العراق في مساعيه لتعزيز أمنه واستقراره، وتعزيز التنمية الاقتصادية في مختلف القطاعات. وقد سبق لفرنسا أن قدمت مساعدات تقنية وعسكرية كبيرة للعراق خلال السنوات الماضية، وستواصل هذا الدعم بشكل موسع في المرحلة المقبلة، خاصة فيما يتعلق بتأهيل البنية التحتية والمشاريع الحيوية.
رغم أن زيارة ماكرون تمثل فرصة لتعزيز العلاقات بين العراق وفرنسا، إلا أنها تأتي في ظل تحديات كبيرة على الصعيدين الأمني والسياسي في العراق. ورغم استقرار الوضع الأمني نسبيًا في بعض المناطق، إلا أن التوترات السياسية والمشاكل الاقتصادية ما زالت تعيق عملية البناء والتطوير في البلاد.
إلا أن هذه الزيارة توفر فرصة ذهبية للعراق للاستفادة من الخبرات الفرنسية في العديد من المجالات، لا سيما في المجال التكنولوجي والطاقة، وهو ما يفتح أمام بغداد آفاقًا جديدة من التعاون الدولي الذي يسهم في تحقيق استقرار وتنمية مستدامة.
وتأتي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العراق في توقيت حاسم لتدعيم العلاقات الثنائية بين البلدين، مع التركيز على مجالات الطاقة والتسليح العسكري، اللتين تُعتبران من أولويات العراق في المرحلة الحالية. من المتوقع أن تسهم هذه الزيارة في تعزيز التعاون الاستراتيجي بين العراق وفرنسا، بما يعود بالنفع على استقرار العراق الاقتصادي والأمني، ويفتح أمامه أبوابًا جديدة لتحقيق التنمية المستدامة.