من تفجيرات الأسواق إلى قاعات قمة بغداد.. سجل الجولاني الدموي يعود للواجهة

تاريخه الدموي في العراق
انفوبلس/..
في إطار الاستعدادات الجارية لعقد القمة العربية في بغداد، أعلنت الحكومة العراقية توجيه دعوة رسمية إلى أبو محمد الجولاني، زعيم "هيئة تحرير الشام" وصاحب السجل الإرهابي الطويل والملاحق دولياً بتهم قتل الأبرياء والتخطيط للعمليات المسلحة، لحضور القمة المقررة في أيار/مايو 2025.
هذه الخطوة، غير المسبوقة في تاريخ العلاقات العراقية-السورية، أثارت موجة من الجدل الواسع داخل الأوساط السياسية والشعبية في العراق، حيث اعتبرها عراقيون تجاوزاً خطيراً للخطوط الحمراء وعدم احترام لمعاناة ضحايا التنظيمات المتطرفة.
ورداً على الإعلان، أصدر عدد من النواب البرلمانيين والسياسيين، بيانات شديدة اللهجة، اعتبروا فيها أن دعوة الجولاني تنطوي على "تطبيع مع الإرهاب" وتشجع رموزه على الاستحواذ مجدداً على الساحة الإقليمية.
وأُطلقت هاشتاغات على منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن استيائها من الدعوة. وخصص بعض الناشطين فيس بوك وتويتر لنشر شهادات ضحايا التفجيرات التي نفذتها "النصرة" سابقاً، مطالبين الحكومة بـ "الالتفات إلى معاناة الشهداء وأُسرهم قبل الانشغال بدعوات رموز العنف".
وفي خضم لحظة سياسية مشحونة ومثيرة للجدل، أعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني رسميًا توجيه دعوة إلى مَن وصفه بـ"رئيس سوريا" أحمد الشرع، لحضور القمة العربية المقرر عقدها في بغداد أيار/مايو المقبل.
لكن خلف هذا الإعلان البروتوكولي، تتوارى إشكاليات خطيرة، تتعدى الحسابات الدبلوماسية إلى مسألة مبدئية تتعلق بإضفاء شرعية على شخصية لا تزال ملاحقة دوليًا بتهم الإرهاب وجرائم الحرب، في إشارة واضحة إلى أن الشرع ليس سوى الاسم الجديد الذي يتخفّى خلفه أبو محمد الجولاني، زعيم تنظيم "هيئة تحرير الشام" وخليفة فكر تنظيم القاعدة في الشام.
وإن كان البعض يسوّق الدعوة كخطوة "انفتاح" و"إدماج"، فإنها تُقرأ في الداخل العراقي بوصفها طعنة في خاصرة التضحيات التي قدّمها الشعب العراقي في مواجهة الإرهاب خلال السنوات الماضية، فبغداد، التي دفعت ثمناً باهظاً جرّاء العمليات الانتحارية التي خطط لها وأشرف على تنفيذها الجولاني حين كان أحد قيادات "دولة العراق الإسلامية"، تعود اليوم لتمهّد البساط الأحمر أمامه باسم "التقارب العربي"!
يرى مراقبون أن ما يُسمى بـ"الانفتاح على النظام السوري الجديد" ما هو إلا تبييض وجه مطلوب دولي تورّط في سفك دماء آلاف الأبرياء، بل وكان شريكًا مباشرًا في صناعة الفوضى والدمار في العراق وسوريا على حد سواء، فهل من المقبول أن نمنح قاتل أطفالنا وناسف أسواقنا منصةً ليخاطب العرب من قلب بغداد، المدينة التي ودّعها عام 2011 هاربًا من العدالة؟".
جردة بجرائم الجولاني
في هذه الأجواء المتوترة، تستعرض "انفوبلس" في هذا التقرير، جردة بجرائم الجولاني في العراق والتي تتضح من خلالها خلفيات شخصيته، قبل مغادرته العراق عام 2011 وانتمائه الى صفوف تنظيم القاعدة في العراق الذي عانى من أكثر فصول الإرهاب دمويةً على يد الجولاني وتنظيماته.
بدايات ملوثة بالدم
الجولاني، المولود في سوريا، دخل العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003 وانضم إلى تنظيم القاعدة، حيث أصبح مقرّباً من زعيم التنظيم آنذاك أبو مصعب الزرقاوي. سرعان ما ارتقى في صفوف التنظيم وشارك في عمليات إرهابية نوعية هزّت الأمن العراقي، خصوصاً في بغداد ونينوى والأنبار. وبعد مقتل الزرقاوي عام 2006، انتقل الجولاني إلى لبنان ليقدّم خدماته لجماعة جند الشام السلفية، قبل أن يعود مجددًا إلى العراق ويُعتقل من قبل القوات الأميركية في معسكر بوكا سيئ الصيت، حيث تخرّج كبار قادة داعش ومن بينهم أبو بكر البغدادي.
في عام 2008، أُطلق سراح الجولاني ليعود إلى النشاط المسلح إلى جانب البغدادي، وسرعان ما أصبح رئيساً لما يسمى بـ"غرفة عمليات الموصل" في تنظيم داعش، متولياً المسؤولية عن التخطيط والإشراف على عدد من أبشع التفجيرات التي شهدها العراق خلال تلك الفترة.
تفجيرات مدوية
التاريخ يشهد على أن أيدي الجولاني ملطخة بدماء العراقيين. ففي الفترة الممتدة من 2004 وحتى 2008، وخلال نشاطه المباشر ضمن تنظيم القاعدة، ثم لاحقاً بعد 2014 في قيادة داعش في نينوى، ارتُكبت عشرات التفجيرات الإرهابية التي تتهم السلطات العراقية الجولاني بالوقوف خلفها. ومن أبرز هذه الجرائم:
تفجير مدينة الثورة (الصدر) – 23 تشرين الثاني 2006: أسفر عن استشهاد أكثر من 202 مدني، وجرح مئات، ويُعد من أكبر المجازر بحق المدنيين في العاصمة.
تفجير سوق الصدرية – 18 نيسان 2007: أودى بحياة أكثر من 190 شهيدًا.
تفجيرات تلعفر – 27 آذار 2007: راح ضحيتها 152 شهيدًا.
تفجيرات كركوك – 7 تموز 2007: خلّفت أكثر من 140 شهيدًا.
تفجيرات سنجار – 14 آب 2008: أسوأ الهجمات من حيث عدد الضحايا، حيث قُتل نحو 400 مدني.
تُضاف إلى هذه التفجيرات سلسلة طويلة من الهجمات الانتحارية والعبوات الناسفة التي زرعت الموت في الأسواق والمراقد والشوارع. ووفقاً لتحليل أجرته منظمة مشروع إحصاء الجثث في العراق (IBC)، فقد قُتل ما لا يقل عن 12,284 مدنياً في أكثر من 1,003 تفجير انتحاري بين عامي 2003 و2010، كثير منها ارتبط تنظيمياً وفكرياً بالجولاني وتنظيم القاعدة.
الوجه نفسه… بقناع مختلف
في عام 2011، انتقل الجولاني إلى سوريا، مستغلاً الاحتجاجات الشعبية هناك ليؤسس فرعًا جديدًا لتنظيم القاعدة تحت مسمى "جبهة النصرة". لاحقًا، دخل في خلاف مع البغدادي ورفض دمج مجموعته في "داعش"، ثم بايع أيمن الظواهري، زعيم القاعدة، شريطة الحفاظ على قيادته للتنظيم. وبعد سنوات من المجازر، قرّر الجولاني أن يُعيد تشكيل صورته، فغيّر اسم جبهة النصرة إلى "جبهة فتح الشام"، ثم إلى "هيئة تحرير الشام"، دون أن يتخلّى عن أيديولوجيته أو أسلوبه الدموي.
لقد حاول الجولاني خداع المجتمع الدولي بتغيير الاسم، لكنه بقي وفياً لعقيدته المتطرفة، حيث دعا صراحة إلى شن هجمات طائفية ضد القرى العلوية في سوريا في 2015، وحضّ على استهداف الروس، بل واحتضن جماعات مسلحة متشددة ساهمت في تعميق الكارثة الإنسانية في الشمال السوري.
دماء العراقيين ليست بروتوكولاً
الدعوة الرسمية الموجهة إلى الجولاني لحضور قمة بغداد لا يمكن فصلها عن هذا التاريخ الدموي، هي ليست مجرد خطأ سياسي، بل إهانة صارخة لضحايا الإرهاب وعائلاتهم، ولكل من قاتل الإرهاب ودفع ثمنه من جسده أو روحه، فكيف يمكن لبغداد، التي كانت هدفًا أولًا لتنظيمات الجولاني، أن تستقبل القاتل على أرضها باعتباره "رئيسًا"؟ وأي رسالة نوجّهها للعالم حين نمنح منصة دبلوماسية لواحد من أكثر المطلوبين دولياً بتهم الإرهاب؟