هل تراخت هيمنة المالكي؟ شخصيات وازنة تنفضّ من حوله وتلتحق بمشروع سياسي منافس

انفوبلس..
بعد اقتراب عمره من الـ 75 عاماً، يمر زعيم حزب الدعوة ورئيس تحالف دولة القانون وصاحب أطول فترة حكم لرئيس وزراء بعد 2003، نوري المالكي، بفترة سياسية عصيبة لم يمر بمثلها في العقدين الأخيرين، حيث بدأ يواجه صعوبات بضبط الحلفاء وظهرت أصوات تنافس صوته الأعلى وهيمنته على القوى الشيعية في العملية السياسية العراقية. فاليوم أصبح للإطار التنسيقي كفتين، الأولى فيها المالكي لوحدة والثانية تضم أغلب القوى المتبقية، فلمَن ستكون الغلبة؟ ومن سيمرر رؤاه بخصوص الملفات الخلافية؟
أصل الخلافات
في الآونة الأخيرة ظهرت العديد من الخلافات السياسية واختلاف الرؤى والأهداف بين قوى الإطار التنسيقي، حيث أصبح من الواضح أن هناك جبهتين، الأولى بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وبعض حلفائه المتبقين، والثانية مكونة من "تشكيلة" تجمع قوى كلاسيكية أبرز شخوصها السيد عمار الحكيم وحيدر العبادي، وقوى جديدة نشأت أو توسعت خلال السنوات على رأسها رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني وحلفائه في الحكومة والبرلمان وتحالف إدارة الدولة، بالإضافة إلى قوى وشخصيات عديدة لم تظهر موقفاً صريحاً يوضح ميلها لأحد الجانبين.
ويعود أصل الخلافات لعدة ملفات، أهمها:
1. قانون وموعد الانتخابات.
2. تكليف السوداني بولاية ثانية.
3. دعوة الجولاني لقمة بغداد.
4. قطاع النفط وآليات توقيع العقود.
5. التشكيل والتعديل الوزاري.
6. توزيع الحقائب والمواقع الإدارية المحلية.
7. مفوضية الانتخابات.
8. قانون العفو العام.
9. قانون الموازنة العامة.
10. دور السلطة القضائية وهيئة النزاهة.
طموح الولاية الثانية
وفي هذا الإطار يرى مراقبون أن وصول رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى تحقيق طموحه في الحصول على ولاية ثانية على رأس الحكومة من خلال الانتخابات البرلمانية القادمة يتطلّب منه الاستناد إلى قوى وشخصيات وازنة ومؤثرة من داخل العائلة السياسية التي ينتمي إليها لمواجهة خصمه الرئيسي ومنافسه العنيد نوري المالكي، وهو الأمر الذي قد يكون شرع في العمل عليه من خلال التقرّب من بعض أبرز قيادات الإطار التنسيقي سعياً للتحالف معهم.
بدأت تظهر في العراق أولى ملامح التكتلات السياسية المرتبطة بالانتخابات البرلمانية المقرّرة لشهر تشرين الثاني القادم لاسيما بين مكونات العائلة السياسية الشيعية التي تضطلع بالدور الأكبر في تشكيل النظام القائم وقيادة الدولة.
وباتت عملية إعادة نثر وتركيب التكتلات والتحالفات السياسية القائمة سمة ملازمة للحياة السياسية في العراق قبل أيّ موعد، وتلوح الانتخابات القادمة ساخنة من حيث شدّة التنافس فيها على الفوز بامتياز تشكيل الحكومة واختيار من يرأسها.
وأصبح رئيس الوزراء الحالي محمّد شياع السوداني طرفا رئيسيا في ذلك التنافس بإعلانه نيته الترشّح للانتخابات، فيما يعتبر رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي أحد أبرز الأطراف المنافسة له، الأمر الذي يتطلّب من السوداني الاستناد في مسعاه للفوز بولاية ثانية على رأس الحكومة إلى أطراف ذات وزن وتأثير من داخل العائلة السياسية الشيعية التي يشترك مع المالكي في الانتماء إليها.
تحالف جديد
وهنا تحديدا ظهرت ملامح تكتّل سياسي جديد يجمع بين رئيس الوزراء وعدد من قادة القوى الشيعية المختلفين مع رئيس الوزراء الأسبق على العديد من الملفات والقضايا والمتنافسين بشدّة معه على مواقع في الدولة وأدوار في الحكومة الاتّحادية وكذلك في الحكومات المحلية للمحافظات كما هي الحال على سبيل المثال بالنسبة إلى هادي العامري الذي ما تزال منظمته إلى اليوم على خلاف عميق مع ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي بشأن قيادة الحكومة المحلية لمحافظة ديالى شمالي بغداد.
وبات العامري جزءا مما قالت دوائر سياسية إنّها مساع أطلقها عدد من قوى الإطار التنسيقي لتشكيل تكتل يحمل اسم تحالف “قرار” استعدادا لخوض الانتخابات.
ونقلت وسائل إعلام محلية، عن مصدرين قولهما إن التحالف الجديد يضم في مرحلته الأولى تيار الفراتين بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى جانب هادي العامري وفالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي.
ويجمع بين تلك الشخصيات الثلاث هدف مواجهة المالكي الذي لا يزال رغم مضي أكثر من عشر سنوات على مغادرته منصب رئيس الوزراء سنة 2014 يمتلك وسائل المنافسة على موقع متقدّم على الساحة السياسية.
ويجد فالح الفياض مصلحة كبيرة في التحالف من السوداني والعامري في إطار صراعه الطويل للحفاظ على منصبه على رأس هيئة الحشد الشعبي وحمايته من الجهات التي سبق وأعلنت بشكل صريح رغبتها في انتزاعه منه ومن أبرزها عصائب أهل الحقّ بزعامة قيس الخزعلي.
ولا يخلو نجاح السوداني في استمالة شخصيات من قيمة ومكانة الفياض والعامري من خلق صعوبات للمالكي، خصوصا وأن الأخير فشل في مسعاه لاستمالة زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر وإقناعه بالعدول عن قرار مقاطعته الانتخابات رغبة في التحالف معه، وفي أدنى الحالات بهدف منع ذهاب أصوات القاعدة الجماهيرية الصدرية العريضة للسوداني في حال لم يشارك الصدر في الاستحقاق الانتخابي.
قلق من نجاح السوداني
وكان السوداني قد أعلن الأربعاء الماضي عن ترشحه للانتخابات البرلمانية المقبلة في خطوة من شأنها أن تضعه في مواجهة طموح المالكي الذي تقول دوائر سياسية وإعلامية عراقية إنّه يخطط لأن يكون رجل المرحلة القادمة في العراق.
ويحمل ترشح السوداني للانتخابات رسالة مفادها أنه سيواصل مهمة بناء علاقات متوازنة للعراق مع محيطه الإقليمي ومع شركائه الدوليين وخاصة الولايات المتحدة، وهو عنصر مهم يصبّ في صالحه على عكس المالكي الذي سيقابل برفض داخلي بسبب سجله السيء مع التيار الصدري وبرود علاقته مع تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم وتهاوي مصداقيته لدى الأكراد والسنة.
ولا يخفي المالكي قلقه من نجاح السوداني خلال فترة حكمه في الحصول على داعمين له من داخل الإطار التنسيقي، وهو ما يهدد وضعه كقيادي أول للإطار ومرشحه في المرحلة القادمة.
وأوضح المصدران أن تحالف “قرار” قد يكون برئاسة العامري أو السوداني وسيركز برنامجه الانتخابي على الإصلاح الإداري والخدمي ويحمل طابعا أكثر انفتاحا على الشركاء الأكراد والسنّة.
3 فرق
وحول ذلك، يقول مصدر مطلع، إن "مكونات الإطار التنسيقي انشطرت إلى ثلاث فرق سياسية انتخابية عقب إعلان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ترشحه للانتخابات النيابية المزمع اجراؤها في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وما عزز انشطار الإطار لقاء الأخير مع الجولاني برعاية قطرية، الأمر الذي خلق حالة من التوتر والتحديات داخل الإطار".
وأضاف المصدر أن "الإطار التنسيقي انقسم الى فريق يذهب باتجاه دعم الحكومة الحالية ويضم السوداني وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم وزعيم منظمة بدر هادي العامري وأحمد الاسدي ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ونائب رئيس مجلس النواب محسن المندلاوي، فيما يضم الفريق الثاني كل من زعيم دولة القانون نوري المالكي والأمين العام لحركة العصائب قيس الخزعلي وياسر صخيل وبعض القوى والمكونات الشيعية الصغيرة، أما الفريق الثالث فيضم المحايدين الذين لم يحددوا إلى أي فريق سينضمون".
وتابع "يبدو أن التنافس الانتخابي هذه المرة يختلف عما سبقه، والأيام القادمة ستكشف الكثير من التفاصيل، علما أن الفرق المنقسمة داخل الاطار دخلت في تحالفات كبيرة مع المكونات الاخرى، اذ يضم فريق السوداني قيادات الحزبين الرئيسين في اقليم كردستان وزعامات وقيادات سنية بارزة، فيما التحقت كتلة التغيير الكردية وبعض الاطراف السنية الصغيرة بفريق المالكي".
انقسام طبيعي
وحول هذه الخارطة، يرى المحلل السياسي عائد الهلالي، أن "حالة الانقسام داخل الإطار، طبيعية، لأنه تشكل باتفاق مكونات وقوى شيعية وليس حزبا او تيارا واحدا".
وأوضح أن "الإطار تشكل عبر اتفاق مكوناته كمؤسسة سياسية، وبالتالي ممكن ان تتفق مكوناته على الانتخابات القادمة وقد تختلف في الانتخابات النيابية اللاحقة، وهو أمر طبيعي، لأن التنافس الانتخابي يفرض على جميع القوى والكتل السياسية المشتركة بالانتخابات تشكيل تحالفات سياسية او البقاء كقوى وقوائم انتخابية منفردة، وبالتالي انقسام الإطار لأكثر من فريق أمر طبيعي".
معضلة قانون الانتخابات
ومساء أمس الاثنين، كشف المتحدث باسم ائتلاف دولة القانون، النائب عقيل الفتلاوي، عن استمرار التوجه نحو تغيير قانون الانتخابات الحالي، مؤكداً أن هناك تجاوب من بعض الكتل السياسية لتعديله، فيما أعلن أن مجلس النواب سيناقش قانون الموازنة في جلسات الأسبوع المقبل.
وذكر الفتلاوي خلال مؤتمر صحفي أن "قانون الانتخابات الحالي طارد للناخب والمرشح، لذلك تم طرح فكرة تغيير وتعديل هذا القانون، وهناك تجاوب من بعض الكتل السياسية للتعديل، وهو ذاهب حالياً للتغيير"، على حد قوله.
وفي رد على سؤال بشأن مصير قانون الموازنة، أشار الفتلاوي، إلى أن "مجلس النواب سيناقش قانون الموازنة في جلسات الأسبوع المقبل، فلا يمكن توقف الموازنة أو تأخيرها، بل هناك وقت كافي لإقرارها قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية".
ومساء أمس، أعلن الإطار التنسيقي أنه سيشارك في الانتخابات بقوائم منفردة، فيما شدد على الموعد المحدد لإجرائها.
وقال الإطار التنسيقي، في بيان إنه عقد اجتماعه الاعتيادي 225 في مكتب أمين عام منظمة بدر، هادي العامري، وناقشوا آخر التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية في العراق والمنطقة.
وفي ملف العملية الانتخابية، جدّد الإطار التنسيقي تأكيده على موعد الانتخابات النيابية في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وبالنظر لما أفرزته الماكنة الانتخابية له، قرّر الإطار التنسيقي الدخول إلى الانتخابات بقوائم متعددة تلتئم عقب نتائج الاقتراع، لتشكيل كتلة "الإطار التنسيقي" التي تضم جميع أطرافه.
كما عبّر الإطار التنسيقي عن ثقته بأن الحكومة ستقوم بتهيئة الأجواء الانتخابية، وتوفير مستلزمات الأمن الانتخابي، وتقديم الدعم للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، من أجل إنجاح العملية وضمان نزاهتها.