وسط شكوك وتشكيك.. أحزاب "القوى المدنية" تحاول تنظيم صفوفها قبل الانتخابات عبر إنتاج تحالف شامل

انفوبلس..
في هذه الأيام، تشهد الساحة السياسية العراقية حراكًا مدنيًا متجددًا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقبلة، وسط محاولات متعثرة لتشكيل تحالفات انتخابية موحدة. وبينما تتواصل اجتماعات القوى المدنية التقليدية والناشئة، يسود التشكيك بقدرتها على إحداث تغيير حقيقي في ظل سيطرة الأحزاب التقليدية وهيمنة المال السياسي وغموض حول مصادر تمويل الأحزاب المدنية والناشئة. ويواجه هذا الحراك تحديات شعبية وتنظيمية كبيرة، مع تراجع ثقة العراقيين بإمكانية نجاح تلك القوى بإحداث إصلاح حقيقي.
وشهدت الأيام الماضية اجتماعات بين القوى المدنية والحركات السياسية الناشئة والتقليدية المدنية، لتشكيل تحالفات في الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق، وسط تشكيك في جدوى الخطوة. وشاركت الحركات المدنية التقليدية في أكثر من انتخابات سابقة في العراق لكنّها أخفقت في إحداث التغيير السياسي وتطبيق الشعارات التي ترفعها، وضمنها الإصلاح وإلغاء المحاصصة والتناوب الحزبي على المناصب المهمة وتقاسم الوزارات والدوائر والهيئات الحكومية، وبحسب مصادر من نشطاء مدنيين، فإن الحركات المدنية قد تنقسم إلى تحالفَين يجمعان قوى وأحزاباً جديدة، معظمها بلا تأثير شعبي، وبعضها مموّل أصلاً من أحزاب تقليدية نافذة في البلاد.
وتستعد نحو عشرين جهة سياسية للمشاركة في تحالف موحد في الانتخابات التشريعية المقرّرة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، منها؛ حركة نازل آخذ حقي وحزب البيت الوطني وتيار قضيتنا وتجمع الفاو زاخو وحركة كفى، بالإضافة إلى نواب مثل سجاد سالم وعدنان الزرفي، ونواب في دورات سابقة، وقد اجتمعت هذه الكيانات أخيراً لمناقشة تكوين تحالف انتخابي سياسي جامع لكل هذه الأطراف، لكن مخرجات الاجتماع لم تحدث أي صدى على المستوى الشعبي العراقي، بل لم تترك أي ردود فعل على مستوى النخب المدنية والليبرالية في البلاد.
في المقابل، نشطت قوى سياسية مدنية أخرى في إجراء اتصالات مكثفة من أجل تحقيق تقارب قد ينتج عنه تحالف انتخابي مدني واسع، يرفع شعار التغيير، ويواجه قوى المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت، وبادر لذلك الحزب الشيوعي العراقي عبر جمع حلفائه التقليديين مثل التيار الاجتماعي الذي يتزعمه السياسي علي الرفيعي والتيار الديمقراطي العراقي الذي يرأسه أثير الدباس، إلا أن هذا التجمع يُعد من التجمعات المرفوضة على مستوى شباب الحركات المدنية الجديدة، خصوصاً وأن القوى المشكلة له شاركت في السابق بالانتخابات ودخلت إلى البرلمان، بل تسلمت مناصب وأوكلت إليها وزارات عبر مبدأ المحاصصة المعمول به في البلاد.
الأمين العام لحزب البيت الوطني، حسين الغرابي، نشر منشورا على صفحته في الثامن عشر من الشهر الجاري، وجاء فيه: "عقدت مجموعة من الأحزاب الوطنية والديمقراطية، اليوم، اجتماعًا تشاوريًا في فندق الرشيد بالعاصمة بغداد، لبحث سبل تشكيل تحالف وطني جامع يهدف إلى خلق معارضة وطنية حقيقية وفاعلة".
وبحسب الغرابي "شهد الاجتماع مناقشات معمّقة حول ضرورة توحيد الجهود الوطنية لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، وتفعيل دور المعارضة كركيزة أساسية في تعزيز المسار الديمقراطي وتصحيح المسارات الخاطئة في إدارة الدولة".
وأضاف إن "المشاركين أكدوا عزمهم على مواصلة اللقاءات والعمل المشترك وصولاً إلى إعلان تحالف وطني شامل يمثل صوت المواطن ويعبّر عن تطلعاته في التغيير والإصلاح"، لافتاً إلى إنه "من المؤمل أن تصدر الأحزاب المشاركة بيانًا ختاميًا يحدد الإطار العام للتحالف وأهدافه في الأيام القليلة المقبلة".
وفي الواقع، لم يعد هناك ذكر لحراك الأحزاب المدنية العراقية كما كان قبل بضع سنوات، خصوصاً بعد فشل تحالف قيَم في الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) التي أجريت في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023. وعلى الرغم من حصول التحالف على ستة مقاعد في الانتخابات، لكنّ أياً من الفائزين لم يكونوا ضمن صفوف أي حزب من الأحزاب، ما أدى إلى تدهور تماسكه وتشتته والتخلي عن عقد أي اجتماعات، باستثناء لقاءات شخصية وفردية لا أهمية سياسية لها. وترى معظم شرائح الشعب العراقي أن الأحزاب المدنية الجديدة لا تختلف كثيراً عن الأحزاب التقليدية، من ناحية القدرة على التغيير وعدم الوضوح في الأهداف، بالإضافة إلى التشكيك الدائم في مصادر التمويل.
في السياق، قال الناشط السياسي من محافظة النجف علي الحجيمي، إن "فكرة التحالفات والانتخابات تراجع تأثيرها ووقعها على العراقيين؛ بسبب اليأس من إحداث أي تغيير أو حالة إصلاحية حقيقية، وهناك حالات احتيال كثيرة استهدفت الناخبين وتحديداً المدنيين، خصوصاً أن الأحزاب التقليدية تمكنت من شراء ذمم بعض قادة الأحزاب الجدد، بل إن الأحزاب التقليدية أقدمت على تسجيل أحزاب جديدة بعناوين مدنية وديمقراطية"، وأضاف الحجيمي أن "العراقيين منفصلون عن الواقع السياسي حالياً وصاروا لا يتابعون حتى نشرات الأخبار، لذلك فإن التحركات الأخيرة للنشطاء في المجتمع المدني لم تحظ بأي اهتمام".
لكنّ عضو تيار سياسي جديد، ينوي الاشتراك في الانتخابات المقبلة ضمن تحالف ليبرالي موسع، أشار إلى أن "أكثر المشكّكين بالحركات المدنية هي وسائل إعلام الأحزاب التقليدية، وهم يتهموننا بالحصول على الدعم والتمويل الخارجي، وتتهمنا بأننا تابعون لشخصيات سياسية نافذة مع العلم أن أغلب الأحزاب والتكتلات المدنية الجديدة يقودها متظاهرون سابقون، ونحن نعمل حالياً على تشجيع الناخبين لانتخابنا لصناعة بديل سياسي حقيقي بدلاً من أحزاب التبعية التي ورطت العراق بالفساد"، مبيناً أن "المطلوب حالياً من القوى المدنية أن توحّد صفوفها، وتواجه أحزاب السلطة عبر صناديق الاقتراع".
من جهته، لفت النائب سجاد سالم، إلى أن "القوى المدنية دائماً ما كانت تصل إلى مرحلة التفاهمات والدخول في جو الانتخابات في وقت متأخر، لكنها اليوم وصلت إلى تفاهمات جيدة، يمكن الاعتماد عليها في تشكيل تحالف مدني انتخابي واسع".
وأضاف في تصريح صحافي، أنه "ليس أمام تلك القوى سوى أن تتوحد في تحالف انتخابي، لا سيّما في ظل الانتهاكات التي تطاول الحريات العامة والخاصة، وفي ظل حالة اللا استقرار وتفشي السلاح المنفلت، وأن جميع القوى المدنية والديمقراطية والوطنية تحمل هذه الأفكار، لذا فإن التحالف فيما بينها الآن بات ضرورياً بحكم المعطيات الراهنة".
ويوم الخميس الماضي، نشر سالم على صفحته، إن "القوى السياسية المدنية تواصل اجتماعاتها المكثفة لتوحيد الصفوف استعدادًا للانتخابات المقبلة. خلال الأيام الماضية، عقدت عدة تيارات مدنية سلسلة من اللقاءات ناقشت فيها آليات التنسيق المشترك وخيارات بناء تحالف سياسي واسع يعكس تطلعات جمهورها نحو التغيير والإصلاح".
وتابع: "أكد المشاركون في الاجتماعات ضرورة تجاوز الخلافات، وتقديم المصلحة الوطنية على أي اعتبارات أخرى، من أجل تشكيل جبهة مدنية قوية قادرة على طرح بدائل سياسية واقتصادية تعبر عن صوت المواطنين المطالبين بدولة قائمة على العدالة والمواطنة. كما شددوا على أهمية العمل المشترك لتعزيز الحضور المدني في الساحة السياسية، ومواجهة التحديات الحالية".
وأشار إلى أنه "من المنتظر أن تتواصل هذه اللقاءات خلال الفترة المقبلة للوصول إلى صيغة نهائية للتحالف، على أن يُعلَن عنها رسميًا قبيل الانتخابات".
لكن الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي، بيَّن أن "قانون الانتخابات المعمول به حالياً لا يخدم القوى المدنية الناشئة، ومُصمم لخدمة الأحزاب الكبيرة صاحبة المال السياسي والإنفاق العالي والتمدد الجغرافي وشراء المرشحين، لذلك فإن فرص نجاح الأحزاب المدنية متدنية جداً".
وأشار الركابي إلى أن "الأحزاب والشخصيات المدنية أهملت جانب تثقيف العراقيين بأهمية المشاركة في الانتخابات، وعمدت إلى مفاجئة جمهورها بأهمية المشاركة من دون أن تعطي الحلول أو تطرح برامج، ولو أمعنا النظر في الشعارات المدنية سنجدها تشبه إلى حد كبير شعارات الأحزاب التقليدية"، مضيفاً "هناك حاكم آخر لما يحدث حالياً، وهو أن المشاركة المتدنية للناخبين المدنيين ستخدم الأحزاب التقليدية، لذلك لن تكون هناك نتائج طيبة للأحزاب المدنية".
وشهد العراق بعد الغزو الأميركي في عام 2003 خمس عمليات انتخاب تشريعية، أولاها في عام 2005 (قبلها أجريت انتخابات الجمعية الوطنية التي دام عملها أقلّ من عام)، فيما كانت الأخيرة في تشرين الأول/أكتوبر 2021. وجرى اعتماد قانون الدائرة الواحدة لكلّ محافظة في النسخ الأربع الأولى، فيما أجريت الانتخابات الأخيرة في عام 2021 وفق الدوائر المتعدّدة.
ويرى الباحث في الشأن السياسي، علي السامرائي، أن "التحركات المدنية الجديدة تعكس محاولة جدية لإعادة رسم المشهد السياسي من خارج دائرة الأحزاب التقليدية، التي باتت تواجه تآكلًا في قاعدتها الشعبية".
وأضاف السامرائي أن "التحالف المزمع، بقيادة شخصيات مثل سجاد سالم، يحمل فرصة واقعية لإعادة تموضع التيار المدني، خصوصًا إذا نجح في توحيد صفوفه وتقديم خطاب سياسي واضح يستند إلى أولويات الشارع العراقي".
وأشار إلى أن "التحدي الأكبر أمام هذا التيار لا يتعلق فقط ببرامج الإصلاح، بل بقدرته على كسر احتكار السلطة الذي فرضته الأحزاب الدينية منذ سنوات، وهو ما يتطلب عملًا تنظيميًّا وميدانيًّا واسعًا يتجاوز التنظير ويصل إلى الفئات المهمشة، التي تترقب بديلاً حقيقيًّا".
بدوره، رأى عضو تحالف "قيم"، أحمد العبيدي، أن "القوى المدنية ارتكبت خطأ في المرحلة الماضية، وهو افتراض أن الرأي العام وحده كافٍ للفوز، دون بناء قاعدة تنظيمية حقيقية على الأرض".
وأضاف العبيدي أن "التحالفات المدنية لم تفشل لأنها ضعيفة جماهيريًّا، بل لأنها لم تطور أدواتها السياسية، ولم تدرك أن الشارع يتغير أسرع من الخطاب، الذي ما زال يعتمد على لغة الاحتجاج".
وأشار إلى أن "الفرصة لا تزال قائمة أمام التيارات المدنية لإعادة تشكيل نفسها، لكن ذلك لن يكون عبر شعارات كبرى، بل من خلال خوض معارك محلية صغيرة تلامس هموم الناس، وتعيد الثقة المفقودة بين الناخب والمشروع المدني".