عدد المختطفين والمختطفات من التركمان والشبك إبان سقوط تلعفر يعود إلى الواجهة.. ماذا نعرف عن الحقيقة؟
تم كتم المأساة بحجة العار!
عدد المختطفين والمختطفات من التركمان والشبك إبان سقوط تلعفر يعود إلى الواجهة.. ماذا نعرف عن الحقيقة؟
انفوبلس/..
من جديد، يعود ملف أعداد المختطفين والمختطفات من أبناء التركمان والشبك إبان سقوط مدينة تلعفر في محافظة نينوى على يد تنظيم داعش الإرهابي، إلى الواجهة من جديد، متزامناً مع ذكرى سقوط سنجار، فيما تعاني بعض الناجيات من تعامل وقِح معهن، إذ يقولن إن "المجتمع يتعامل معنا كمذنبات".
*حدث ما لم يكن متوقعاً!
هدى (اسم مستعار- 20 سنة) لفتاة تركمانية شيعية، من مدينة تلعفر (غربي محافظة نينوى في العراق)، لم تكن قد أكملت عامها الثاني عشر، عندما هاجم تنظيم داعش في 16حزيران/يونيو 2014 مدينتها، ووقعت معارك استمرت أياما هرب خلالها غالبية السكان الشيعة بما فيهم عائلتها صوب مدينة سنجار المجاورة والخاضعة لسيطرة القوات الكردية.
مكثوا هناك مع مجموعة من العائلات التركمانية الأخرى في مدرسة ابتدائية خُصصت لاستقبال النازحين الهاربين من سطوة التنظيم وإعداماته الفورية، وبعد نحو ستة أسابيع، حدث ما لم يكن متوقعا حين هوجِمت سنجار في 3 آب/ أغسطس 2014 وسيطر التنظيم عليها خلال ساعات، ليقتل مئات من الرجال ويخطف آلاف النساء والأطفال وبينهم هدى.
تنقبض ملامح وجهها وهي تتذكر: "هربنا سريعا في مجموعات متفرقة.. أردنا الوصول إلى جبل سنجار مثل آلاف الإيزيديين والشيعة الذين ملأت بهم الطرق الممتدة إلى الجبل.. أنا أمسك بيد أبي، وأمي تحمل شقيقي الذي كان عمره سنتين فقط".
تجهش بالبكاء وهي تشبك أصابع يديها ببعضها: "قطعوا الطرق وأحاطونا بأسلحتهم ثم أمسكوا بنا، كانت وجوههم الملتحية مرعبة، فرّقوا بين الرجال والنساء والأطفال..".
تصمت للحظات قبل أن تضيف بصوت متقطع: "كانت تلك المرة الأخيرة التي أرى فيها والدي، أما شقيقي، فقد قابلته بعدها بثلاث سنوات!".
*عدد المفقودين
تقدر مصادر تركمانية، عدد مفقودي التركمان الشيعة بنحو 1450 شخصاً، ثلثهم من النساء والفتيات الصغار، وجرى لسنوات التكتم عن “مأساة التركمانيات” في ظل غياب الأرقام الرسمية ومع رفض عوائل الضحايا الإبلاغ عن فقدانهن وحتى الحديث عنهن.
أخذ عناصر داعش، هدى وأطفالا آخرين من التركمان الشيعة إلى مدينة تلعفر "سألوني عن اسمي الثلاثي، وعدد المرات التي زرت فيها كربلاء، وأسماء أقاربي في الجيش والشرطة، وفي اليوم التالي أخذوني مع 23 طفلة تركمانية إلى ملجأ للأيتام في منطقة اسمها الزهور بمدينة الموصل".
بقيت هدى في الملجأ لسنتين ونصف السنة، تحت رعاية نساء تصف بعضهن بالمُجبَرات على التعاون مع التنظيم، وأُخريات بأنهن "داعشيات". تغمض عينيها وتقول بألم: "عندما بلغت الرابعة عشر، أخذوني إلى تلعفر…" تتوقف عن الكلام وتستسلم لنوبة بكاء داهمتها لدقائق.
تمسح دموعها بظاهر يديها وتتابع: "زوجوني برجل تركماني من السُنة، كان واحداً منهم، أصبحتُ زوجته الثانية، وضرّتي كانت تركمانية سُنية، أخوها الداعشي قُتِل بأيدي الحشد الشعبي، لذلك كانت تكرهني جداً وتعاملني بطريقة سيئة".
والمعاملة السيئة التي ذكرتها هدى، كانت متمثلة بضربها بنحو يومي، إلى أن تسيل الدماء أحياناً من فمها وأنفها "كانت تقول لي بأن الشيعة قتلوا أخاها وأنها ستأخذ بثأرها مني لأنني شيعية". استمرت حياة هدى الزوجية الدامية قرابة تسعة أشهر، إذ تم تحرير مدينة تلعفر في آب/ أغسطس2017 وتم إنقاذها بواسطة قريبٍ لها من الشرطة الاتحادية، كما تم العثور كذلك على شقيقها، في حين مازال مصير والديها مجهولاً لغاية الآن.
*كتم المأساة بحجة العار
قصة هدى، وكثيرات غيرها من التركمانيات الشيعة، والشبكيات الشيعة الناجيات من داعش، مسكوت عنها في المجتمعين التركماني والشبكي المحافظين، والقبليّين بطبيعتيهما، لذا فإن الحديث عن وجود سبايا وناجيات، غير مسموح به في الوسطين وفقاً لمطَّلعين. وهذا سبب رئيسي لوجود غموض بشأن أعدادهم.
الناشط المدني جعفر التلعفري، حاول منذ 2017 الخروج عن هذا القيد الصارم، وتبنّى حراكاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمطالبة بحقوق الناجيات التركمانيات، غير أنه جوبه بالرفض من قبل وجهاء قبليين واجتماعيين في تلعفر، وفقاً لما ذكر.
ويقول عن ذلك: "لم يتقبل المجتمع الحديث عن الناجيات، وقادة المجتمع التركماني انتقدوني وأوصلوا لي رسائل عدة بأنهم لا يريدون الحديث عن هذا الملف. خصوصاً وأن أغلب الناجيات اغتُصبن وفقدنَ ذويهنّ بسبب داعش، ويعشن لدى أقاربهن من الدرجة الأولى والثانية دون أوراق ثبوتية".
غير أن ذلك لم يُثنِه، إذ قام مع مجموعة من الناشطين الآخرين في 2017، بتأسيس فريق (تلعفريون) التطوعي لرصد وتوثيق الحالات المتعلقة بالمختطفين بواسطة داعش والناجين بنحو عام، بضمنهم النساء.
ومن خلال جمع المعلومات من الأهالي، توصل الفريق إلى إحصائية تبلغ 482 من المفقودين الرجال والنساء والأطفال، الناجون منهم، 23 طفلاً و24 امرأة. غير أن الإحصائية هذه غير نهائية لرفض الكثير من العائلات التجاوب وتقديم المعلومات المطلوبة بشأن مفقوديهم لاسيما النساء.
*غموض الأعداد
وهذا يفسر الغموض المتعلق بأعداد الناجيات التركمانيات والشبكيات الشيعة كما أسلفنا، فضلاً عن تباين الأرقام التي تقدمها جهات غير رسمية بين الحين والآخر، فالأهالي يرفضون التعاون خوفاً من وصمة العار، وهو ذات الخوف الذي دفع نساءً تركمانيات خطفهنّ عناصر داعش في 2014، الى الاستسلام لحياتهن في المخيمات وسواها، وعدم العودة إلى ذويهن بعد انتهاء حقبة سيطرة داعش على نينوى.
*تركمانيات في الهول
مدير مؤسسة إنقاذ التركمان علي البياتي، أكد بأن نساءً تركمانيات شيعيات ما زلنَ في مخيم الهول بسوريا، حسب روايات إيزيديات محررات أجرى مقابلات معهن، دون معرفة أعدادهن. ويُقدر أعداد المختطفين التركمان بنحو عام من الجنسين بـ 1450 شخصاً، 450 من بينهم نساء وفتيات صغار، وأن أعداد الناجيات هو فقط 50 واحدة.
ويصف البياتي، استجابة الحكومات المتعاقبة بعد 2014 في التعامل مع ملف الناجيات والمختطفات التركمانيات بالضعيف، ويعزو ذلك الى غياب القيادات التركمانية السياسية المطالِبة بحقوقهن، ويقول: "المصالح السياسية هي المحرّك الرئيسي لكل شيء في العراق، أما قضايا الأقليات وحقوق الإنسان فهي ليست في الحسبان".
وتُرجِع الباحثة الاجتماعية أنهار يوسف، تجنّب المجتمعين التركماني والشبكي، الحديث عن ملف الناجيات إلى قلة أعدادهن مقارنة بالإيزيديات اللواتي يزيدن عن ألفين، وتوضح ذلك قائلةً "بالرغم من أن المعاناة واحدة، بل أن داعش كان أقسى على النساء الشيعيات بشهادة الكثير من الناجين، الا أن قلة أعداد الناجيات التركمانيات والشبكيات الشيعيات منع تدويل قضيتهن، هذا فضلاً عن عدم بروز واحدة منهن للحديث عن مأساتهن كما فعلن إيزيديات كُثُر وأبرزهن ناديا مراد التي حصلت على جائزة نوبل للسلام”.
وتستدرك الباحثة أنهار: "نجاتهن لا يعني أبداً أنهن أصبحن بخير!".
أنطبق ما قالته الباحثة وبنحو كبير على الناجية التركمانية هدى، فإن نجاتها من حياة السبي، لم تكن نهاية للمأساة التي عاشتها، إذ توجب عليها بعد عودتها إلى تلعفر، مواجهة مجتمع يتعامل معها بانتقاص، وينظر إليها بريبة لكونها كانت زوجة داعشي.
في عام 2021، تزوجت هدى، من صديقٍ لأحد أقربائها، ومع أن ذلك قد يدخل ضمن رغبة المجتمع في إخفاء أي شيء يشير إلى وجود سبايا وناجيات من نساء منتميات له، إلا أنها تعد الأمر بمثابة طوق نجاة، وتنظر إلى زوجها كبطل؛ لأنه شجعها على المطالبة بتعويض عما حدث لها أمام القضاء العراقي، بموجب القانون رقم 8 لسنة 2021، تقول بشان ذلك: "لا توجد نتيجة لغاية الآن، لكن في الأقل أشعر بأنني أفعل شيئاً لرد شيء من الاعتبار لنفسي".
القانون رقم 8، أو كما يُعرف بقانون الناجيات الايزيديات، شمل كذلك التركمانيات والمسيحيات والشبكيات، والهدف من إصداره حسب أعضاء في مجلس النواب، هو لتعويض الناجيات المشمولات به "مادياً ومعنويا وتأمين حياة كريمة لهن إضافة الى التأهيل والرعاية وإعداد الوسائل الكفيلة لدمجهن في المجتمع ومنع تكرار ما حصل من انتهاكات بحقهن".
القانون يتضمن تعويضات لكل ناجية إيزيدية تم اختطافها من قبل تنظيم داعش وتحررت بعد ذلك، والنساء والفتيات من المكون (التركماني، المسيحي، الشبكي) اللواتي تعرضن الى نفس الجرائم المذكورة في البند (أولاً) من المادة (١) من القانون، والناجين من الأطفال الإيزيديين الذين كانوا دون سن الثامنة عشرة عاماً عند اختطافهم، والناجين الإيزيديين والتركمان والمسيحيين والشبك من عمليات القتل والتصفية الجماعية التي قام بها تنظيم داعش في مناطقهم.
وعرّف القانون، الناجية على أنها "كل امرأة أو فتاة اختُطفت من قبل تنظيم داعش وتعرضت الى جرائم العنف الجنسي، أو استعبادها جنسيا وبيعها في أسواق النخاسة، فصلها عن ذويها، إجبارها على تغيير ديانتها، الزواج القسري، الحمل والإجهاض القسري أو إلحاق الأذى بها جسدياً ونفسياً من قبل تنظيم داعش من تاريخ 3\8\2014 وتحرّرنَ بعد ذلك".
ومنذ إقرار القانون في 2021، تم تسجيل 348 ناجياً وناجية فقط من جميع المكونات المشمولة به وتمت الموافقة على تلقّيهم تعويضات بموجبه، وتم في 1 آذار الماضي تسليم أول وجبة من بطاقات الائتمان لناجين إيزيديين (21 امرأة وثلاثة رجال) يمكنهم استخدامها لسحب رواتبهم الشهرية التي تُقدر بنحو 500 ألف دينار.
*الناجيات الشبكيات
ولا يختلف الوضع كثيراً في مجتمع الشبك، وهي أقلية ينتشر أفرادها في سهل نينوى وأجزاء من شرقي مدينة الموصل، فالأهالي يمتنعون كذلك عن تقديم المعلومات بشأن المفقودات، إذ رصدت منظمة العدالة لحقوق الأقليات 232 مفقوداً شبكياً، بينهم خمسُ مفقودات فقط، وأربع مقتولات.
حسين زينل، مدير منظمة العدالة لحقوق الأقليات التي نفذت مشروعاً يستهدف الناجيات الشبكيات، يبرر ذلك بتحفظ العائلات على الإفصاح عن وجود مفقودات من أفرادها متوقعاً فارقاً كبيراً بين العدد المرصود والعدد الحقيقي للمقتولات والمفقودات الشبكيات.
*عقبات أمام تنفيذ قانون
حدد قانون تعويض الناجيات الإيزيديات المستفيدين منه، وهم المتعرّضون للانتهاكات من تأريخ 3\8\2014 وهو ما قد "يسبب ضياعاً لحقوق العديد من الناجيات التركمانيات والشبكيات والمسيحيات” وفقاً للناشط جعفر التلعفري، ويوضح:” داعش سيطر على تلعفر حيث التركمانيات الشيعيات وسهل نينوى حيث الشبكيات الشيعيات، في حزيران وتموز 2014، أي قبل هجومه وسيطرته على سنجار حيث الإيزيديات في 3 آب من نفس تلك السنة".
ويؤشر أمراً آخر: "قانون الناجيات لم يتطرق لتعويض الأطفال الناجين من المكونات غير الإيزيدية".
يشاطره في الرأي الخبير القانوني علي التميمي، الذي يشدد على ضرورة تعديل القانون من قبل مجلس النواب العراقي ويضيف "اعتمد القانون وسائل الإثبات الرسمية وغير الرسمية لإثبات واقعة الاختطاف، وهنا يحتاج إلى الدقة في التطبيق، كما لم يتناول الجانب الجزائي والجرائم الدولية التي تعرضن لها الناجيات، وكان ينبغي أن يتضمن القانون شيئاً من ذلك ولاسيما أن الكثير من عناصر التنظيم هم في الأصل مواطنون من دول أخرى".
غير أن الثغرات في هذا القانون ليست المشكلة الوحيدة وفقاً لمراقبين، يرون أن المشكلة الأكبر تكمن في التلكؤ بتنفيذه على الرغم من مرور سنتين على تشريعه ونشره في جريدة الوقائع الرسمية، أي دخوله حيز التنفيذ.
فالإجراءات لتنفيذه بالنسبة لغير الإيزيديات توصف بالتعقيد، إذ تطالب الناجية التركمانية أو الشبكية، بتقديم شهود إثبات وتأييد من مختار المنطقة فضلاً عن إجراء تحقيقات مطولة مع الناجية وبعد كل ذلك يتعين عليها رفع دعوى أمام محكمة الجنايات.