لجنة "ثنائية" لإخراج الأمريكان وحكومة السوداني في ظل وضع "معقد".. المقاومة تتجاهل وتستمر بدكّ قواعد الاحتلال
انفوبلس/ تقرير
اتخذت الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، خطوة أولية لإخراج قوات الاحتلال الأمريكي (قوات التحالف الدولي) من العراق، وذلك بعد الانتهاكات المستمرة للسيادة العراقية وآخرها اغتيال القيادي البارز في هيئة الحشد الشعبي "أبو تقوى" في العاصمة بغداد، وسط تجاهل واضح من المقاومة الإسلامية في العراق للجدل السياسي عبر استمرارها بدكّ القواعد العسكرية للاحتلال.
* لجنة "ثنائية"
وفي كلمة ألقاها في الحفل التأبيني الذي أقامته هيئة الحشد الشعبي في الذكرى الرابعة لاستشهاد قادة النصر أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني أمس الجمعة 5 كانون الثاني/ يناير 2024، أعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أن الحكومة بصدد تحديد موعد بدء عمل اللجنة الثنائية لوضع ترتيبات إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق بصورة نهائية.
وقال السوداني في الكلمة التي وردت لـ"انفوبلس، "الاعتداء الذي أدى الى استشهاد نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الشهيد جمال جعفر آل ابراهيم (أبو مهدي المهندس)، وضيف العراق الجنرال الحاج قاسم سليماني، مثَّلَ ضربة لكل الأعراف والمواثيق والقوانين التي تحكم العلاقة بين العراق والولايات المتحدة، مثلما كان جريمة نكراء غير مبررة"، مشيرا الى أن "العراق تربطهُ مع أمريكا اتفاقية شراكةٍ استراتيجيةٍ وعلاقات دبلوماسية، وبهذا تمَّ خرقُ المبادئِ الرئيسيةِ للعلاقاتِ الدوليةِ وما نصَّ عليهِ ميثاقُ الأممِ المتحدةِ من المساواةِ في السيادةِ بين الدولِ وحظرِ استخدامِ القوةِ في العلاقاتِ الدولية".
وبين، "نؤكد موقفنا الثابتَ والمبدئيَّ في إنهاءِ وجودِ التحالفِ الدولي بعد أن انتهت مبرراتِ وجوده"، مضيفاً، "إننا بصددِ تحديدِ موعد بدء الحوار من خلالِ اللجنةِ الثنائيةِ التي شُكلت لتحديدِ ترتيباتِ انتهاءِ هذا الوجود، وهو التزامٌ لن تتراجع عنهُ الحكومةُ، ولن تفرطَ بكلِّ ما من شأنهِ استكمالُ السيادةِ الوطنيةِ على أرضِ وسماءِ ومياه العراق".
وجاء هذا الإعلان بعد انتهاكات مستمرة قام بها ما يسمى "قوات التحالف الدولي" في العراق، وأبرزها اغتيال الشهيدين أبو مهدي المهندس والجنرال قاسم سليماني، وقصف مقرات الحشد وآخرها الضربة "الغادرة" في العاصمة بغداد وأدت الى استشهاد القيادي في الحشد الشعبي مشتاق طالب السعيدي "أبو تقوى" ومساعده "علي نايف" الخميس الماضي 4 كانون الثاني 2024.
وتعليقاً على الأمر، يقول المحلل السياسي محمد علي الحكيم، إن "اكتفاء الحكومة العراقية فقط ببيانات الإدانة والاستنكار على قصف مقرات الحشد الشعبي وبشكل متكرر، يعني أن تلك العمليات سوف تستمر، وستؤدي لارتفاع وتيرة اغتيال بعض القيادات البارزة بتلك الفصائل".
ولجنة الأمن والدفاع البرلمانية، تؤكد عن وجود حراك حكومي حقيقي بهدف لإنهاء وجود القوات الأمريكية من العراق بشكل نهائي. وقالت اللجنة إن "حكومة محمد شياع السوداني تعمل وتتحرك بشكل حقيقي من أجل إنهاء وجود القوات الأمريكية من الأراضي العراقية كافة بشكل نهائي وهذا الحراك مدعوم من قبل الأغلبية السياسية والبرلمانية".
وتنشر الولايات المتحدة 2500 عسكري بالعراق ونحو 900 بسوريا في إطار ما تصفه بـ "مكافحة تنظيم داعش" ضمن التحالف الدولي الذي أُنشئ عام 2014.
*المقاومة الإسلامية تتجاهل
ورغم الإعلان الحكومي الرسمي بتشكيل هذه اللجنة الثنائية، إلا أن المقاومة الإسلامية في العراق، أظهرت تجاهلا واضحاً لهذا القرار، عبر دكّ القواعد العسكرية للاحتلال الأمريكي في العراق وسوريا، حيث أصدرت بيانَين بعده، أعلنت فيها قصف قاعدة الحرير شمالي العراق وقاعدتي التنف والشدادي بالعمق السوري.
وفي تفاصيل البيانات التي صدر بعد القرار الحكومي، قالت المقاومة الإسلامية في العراق في الأول، إنه "استمرارًا بنهجنا في مقاومة قوات الاحتلال الأمريكي في العراق والمنطقة، وردّاً على مجازر الكيان الصهيوني بحق أهلنا في غزّة، هاجم مجاهدو المقاومة الإسلامية في العراق، قاعدة حرير المحتلة في أربيل شمال العراق، بالطيران المسيّر، وتؤكد المقاومة الإسلامية استمرارها في دك معاقل العدو".
وفي الثاني، فقد ذكرت أنه "استمرارًا بنهجنا في مقاومة قوات الاحتلال الأمريكي في العراق والمنطقة، وردّاً على مجازر الكيان الصهيوني بحقّ أهلنا في غزّة، هاجم مجاهدو المقاومة الإسلامية في العراق، بالطائرات المسيّرة، قاعدتين للإحتلال الأمريكي هما قاعدة التنف و قاعدة الشدادي بالعمق السوري، وتؤكد المقاومة الإسلامية استمرارها في دكّ معاقل العدو.
وبحسب مراقبين، فإن فصائل المقاومة الاسلامية لا تثق بوعود الحكومة العراقية بإخراج القوات الأميركية، ترى أن هذه التحركات غير حقيقية، مشيرين الى أن السوداني تواصل مع فصائل المقاومة، إلا أنها أكدت أنها لا تثق بوعوده، وأنها تريد ضمانات وجدولة زمنية لإخراج القوات الأميركية، وبخلافه، سيكون هناك تصعيد بالهجمات ضد القواعد الأميركية.
وأحصت أمريكا حتى الآن أكثر من 115 هجوما ضد قواتها في العراق وسوريا منذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بعد أيام من اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، وفق حصيلة جديدة أفاد بها مسؤول عسكري أميركي.
وقد دخلت الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة يومها الـ91 حيث تستمر الاشتباكات والقصف الإسرائيلي على مختلف مناطق شمال وجنوب القطاع، في ظل كارثة إنسانية وصحية.
* الحكومة في ظل وضع معقد ومضطرب
وبعد التطورات الأخيرة التي شهدها العراق والمنطقة، فإن الحكومة العراقية وجدت نفسها في وضع معقد ومضطرب، حيث أفادت مصادر قريبة من مكتب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بأن الأخير عقد أربعة اجتماعات مع قادة تحالف "الإطار التنسيقي"، وشملت الاجتماعات البحث في جملة من الملفات، من بينها مستقبل الوضع الأمني في العراق بعد القصف الأميركي الأخير، وعزم بعض الفصائل المقاومة على التصعيد في مواجهة الأميركيين، بالإضافة إلى آليات التوصل إلى انسحاب تدريجي لقوات التحالف الدولي، من بغداد والأنبار تحديداً.
وأضافت المصادر، أن "الاجتماعات لم تفضِ إلى اتفاق بشأن وقف الهجمات ضد القواعد المستضيفة للأميركيين، لكن جرى الاتفاق مبدئياً على إيجاد الآليات لإنهاء وجود القوات الأميركية وبقية أطراف التحالف الدولي". مبينة، أن "أطراف من الإطار التنسيقي دعت إلى التهدئة إلى حين تحقيق هدف إخراج الأميركيين، لكن أطرافا أخرى اختارت استمرار الضغط عليهم، ودفعهم تدريجياً إلى الانسحاب حتى وإن كان إلى أربيل".
وكانت أميركا قد غزت العراق في 2003 وأطاحت بنظام المقبور صدام حسين ونشرت على حينها الآلاف من جنودها في مختلف المناطق، وفي 2008 أبرم العراق والولايات المتحدة اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي انسحبت بناءً عليها القوات الأميركية في نهاية 2011.
بالمقابل، يجد المحلل السياسي علي فضل الله، أن "عملية اغتيال أحد قيادات الحشد الشعبي، لن تكون دون رد بمستوى هذه العملية، والفصائل لديها كامل القدرة العسكرية للرد على الأهداف المهمة في العراق وخارجه بجميع دول المنطقة".
ويلفت إلى، أن "رد الفصائل على هذه الجريمة سيكون مختلفا تماماً عن عمليات الاستهداف السابقة، والرد سيكون بحجم الضرر، أي الرد سيكلف القوات الأمريكية أرواح جنودها سواء في العراق أو خارجه، وهذه العمليات ستدفع إلى تكثيف العمليات العسكرية خلال المرحلة المقبلة من قبل المقاومة".
ويستطرد، أن "عمليات استهداف الحشد الشعبي بشكل متكرر، ستدفع الحكومة العراقية الى اتخاذ مواقف حاسمة خلال الساعات المقبلة، فالحكومة لن تكتفِ بالبيانات الإعلامية، بل ستكون لها خطوات عملية وهذا الأمر مدعوم من جميع القوى السياسية العراقية الوطنية".
ويعتقد المحلل السياسي فلاح المشعل، أن "خروج القوات الأمريكية أمر في غاية الصعوبة". ويتابع أن "الظرف الدولي الراهن والأزمة المشتعلة داخل الأراضي الفلسطينية والتوقعات والتحذيرات من أن تتوسع الحرب أكثر، إضافة إلى الأزمة الأوكرانية الروسية، تجعل وجود هذه القواعد في هذا الموقع الإقليمي مهما، وتصعّب من عملية إخراجهم حتى لو جاء الأمر بطلب الحكومة أو البرلمان، فالولايات المتحدة تشتغل باستراتيجيات تتجاوز إرادة الدول".
ويؤشر المشعل قضية أخرى تصعّب المهمة، وهي "ارتباط اقتصاد العراق وصندوقه المالي بالبنك الفيدرالي الأمريكي".
وكان البرلمان العراقي قد صوت في 2020 على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأرض العراقية، بناءً على طلب من رئيس حكومة تصريف الأعمال آنذاك عادل عبد المهدي، لكن القرار لم يُنفذ.