مشروع "ترميز الأسلحة الحكومية" يُطرح.. هل سينفذ بمصداقية تامة أم هناك استثناءات؟

انفوبلس/ تقرير
تطلق وزارة الداخلية قريباً مشروع "ترميز الأسلحة الحكومية"، في خطوة تهدف إلى تنظيم وحصر السلاح ضمن مؤسسات الدولة الرسمية، ويأتي ذلك ضمن التزامات العراق الدولية، لكن في الوقت نفسه تطرح العديد من التساؤلات من بينها "هل سينفذ هذه المشروع بمصداقية تامة" أم "ستبقى هناك استثناءات لخدمات أو جهات معينة"؟
وسبق لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أن أورد في منهاجه الوزاري، فقرة تخص السيطرة على السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، وهي ذات الفقرة التي وردت في كافة البرامج الحكومية لرؤساء الحكومات السابقة، لكن لم تنفذ، لا سابقا ولا حاليا.
مشروع "ترميز الأسلحة الحكومية"
بحسب حديث لسكرتير ومقرر "اللجنة الوطنية الدائمة لتنظيم وحصر السلاح بيد الدولة" اللواء منصور علي سلطان فان هذا المشروع يأتي عقب انضمام العراق إلى (اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود)، التي تنص على التزام الدول الأعضاء بترميز الأسلحة"، موضحاً أن "المرحلة الأولى ستشمل ترميز أسلحة وعتاد المؤسسات الأمنية التابعة للدولة، إذ سيكون لكل وزارة أو جهة أمنية رمز خاص بها، فمثلاً ستُميز أسلحة وزارة الداخلية بوسم معين، وكذلك الأمر بالنسبة لوزارة الدفاع وباقي المؤسسات الأمنية".
وأضاف أن "الترميز لن يقتصر على السلاح فقط، بل سيشمل العتاد أيضاً، ما سيسهم في تحديد الجهة المالكة لكل قطعة سلاح أو ذخيرة، وبالتالي يمنع تداولها أو نقلها إلى جهة غير مخولة"، مشيرا إلى أن "هذه الخطوة تعد من الإجراءات الجوهرية لتعزيز الأمن وضبط السلاح داخل البلاد، وضمان بقائه حصراً بيد الجهات الرسمية".
وبيّن اللواء سلطان، أن "(اللجنة الوطنية الدائمة لحصر السلاح بيد الدولة) نفذت عددا من الحملات التي تهدف إلى حصر السلاح؛ منها حملة التفتيش عن الأسلحة الجارحة من خلال التنسيق مع وزارتي التربية والتعليم، وتم الإيعاز إلى جميع قيادات الشرطة بتنفيذ الحملة في المدارس والجامعات وشمول الأقضية والنواحي بها، وأن الكثير من الطلبة يجهلون خطورة حمل السلاح الجارح الذي تصل فترة عقوبته من 3 أشهر إلى ستة أشهر فضلا عن صدور قيد جنائي بحق الطالب".
بينما يُحتفى بهذا المشروع باعتباره خطوة هامة نحو تعزيز الأمن وضبط الأسلحة، تتساءل بعض الأوساط السياسية والمجتمعية في العراق عن دوافع الدولة وراء اتخاذ هذه الخطوة في هذا الوقت بالذات. هل هي خطوة ضرورية لضمان عدم تداول الأسلحة خارج إطار الدولة؟ أم أن هناك نية للرقابة الشديدة على المخزون العسكري للبلاد؟.
إضافة إلى ذلك، تحذر بعض الأوساط من أن ترميز الأسلحة قد يسهم في تزايد البيروقراطية وتقنين الاستخدامات المشروعة للأسلحة، مما يعرقل فعالية بعض الوحدات العسكرية والأمنية في ظل تطور النزاعات المحلية والإقليمية. وفي الوقت نفسه، يبرز تساؤل آخر: هل ستُنفذ هذه الحملة بمصداقية تامة؟ وهل ستشمل حقًا جميع الأسلحة بشكل عادل، أم سيبقى هناك استثناءات لخدمات أو جهات معينة؟.
ورغم التأكيدات الحكومية بأن المشروع يستهدف حماية الأمن الوطني ومنع استخدام الأسلحة بشكل غير قانوني، إلا أن مراقبين يرون في هذه الخطوة تعميقًا لسيطرة الدولة على الأنشطة العسكرية.
ورغم الحملات المتعددة التي شُنت في الماضي من أجل حصر الأسلحة، يبقى الملف الأمني في العراق ملتهبًا، ويظل السؤال الأبرز: هل يمكن لأي خطة جديدة أن تقضي على تهريب الأسلحة ومخالفة القوانين، أم أن التحديات التي تواجه الأمن العراقي ستكون أكبر من أي نظام تنظيمي؟
يُعد العراق من بين أكثر 25 دولة حيازةً للسلاح، وهو ما تشير إليه دراسة أعدّها آرون كارب، المحاضر في جامعة دومينيون الأمريكية، والتي نُشرت عام 2018. كما ويشهد البلد انتشارا كبيرا للسلاح المنفلت، سواء على مستوى الأفراد أو العشائر، ودائما ما يستخدم في النزاعات الشخصية أو السياسية أو العشائرية.
في بداية عام 2024، أطلقت الحكومة العراقية مشروعاً لشراء الأسلحة من المواطنين في محاولة منها لحصر السلاح، إلا أن الحملة قوبلت بتجاوب ضعيف من المواطنين لتقرر الحكومة على إثرها زيادة المبالغ المالية المقدمة للمواطنين مقابل تسليم أسلحتهم.
وقال المتحدث باسم اللجنة الوطنية المكلفة بالحملة الحكومية زياد القيسي وقتها، إن "الحكومة رفعت قيمة أسعار السلاح الثقيل والمتوسط مقابل تسليمه"، مبيناً أنها "وصلت إلى أكثر من 6 ملايين دينار مقابل السلاح الواحد المتوسط والثقيل من مدافع الهاون".
وتهدف خطة حصر السلاح بيد الدولة، وفقاً لتصريحات مسؤولين أمنيين، إلى "تنظيم انتشاره في جميع محافظات البلاد، وتقليل مظاهر عسكرة المجتمع حفاظاً على السلم المجتمعي ومحاربة مظاهر التسلح الاجتماعي وتداعياته".
وكانت وزارة الداخلية قد نفذت في آذار/ مارس 2023 حملة لسحب الأسلحة من موظفي الوزارات والمؤسسات الحكومية غير الأمنية كافة، بلغت حصيلتها 25462 قطعة، تنوعت ما بين الخفيفة والمتوسطة، بكلفة تقديرية قاربت الـ 10 ملايين دولار.
وبجردة حساب بسيطة تكشف جدوى المبالغ المرصودة لجمع الأسلحة المنتشرة بأيدي مواطنين، يظهر أن 16 مليار دينار سوف تكفي لشراء نحو 6000 قطعة سلاح في الحد الأعلى، إذا ما تم اعتماد أقل مبلغ مرصود لكل قطعة والبالغ 2 مليوني دينار.
وتظهر التقديرات غير الرسمية انتشار ما بين 13 و15 مليون قطعة سلاح غير مرخصة، الأمر الذي يظهر أن خطة الداخلية إذا ما نجحت بالكامل، فإنها سوف تجمع أقل من 2 بالمئة، وهذا يعني أنها لا جدوى منها، ولن تحد من خطتها في انتشار السلاح.
وبحسب حديث المحلل السياسي والاقتصادي نبيل جبار التميمي، فانه على رغم الشعارات المتكررة حول حصر السلاح كواحد من برامج الحكومات المتتالية، فإن الخطوات على الأرض شبه معدومة، وها هي الحال تتكرر مجدداً مع حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إذ لا جدية كبيرة في قضية حصر السلاح.
كما أن مصدرا رفيعا في وزارة الداخلية، طلب عدم الإشارة إلى اسمه، يُبدي عدم قناعته بجدوى خطة شراء الأسلحة من المواطنين، كاشفاً عن منح وزارة الداخلية خلال العامين 2021-2022 قرابة 90 ألف هوية حيازة وحمل سلاح للمواطنين وشيوخ العشائر المقربين من الأحزاب السياسية، ما ساهم في "عسكرة المجتمع".
ولا توجد إحصاءات رسمية، بأعداد الأسلحة المنتشرة خارج إطار الدولة، لكن تقديرات أمنية اطلعت عليها شبكة "انفوبلس"، تشير إلى أنها تتراوح بين 13-15 ملايين قطعة سلاح. ويشكل السلاح المنفلت أحد المظاهر الرائجة في عراق ما بعد 2003، وعلى رغم الجهود الحكومية للحد من انتشاره فإنه يبقى ظاهرة لافتة للنظر في مجتمع بلاد الرافدين، مما تسبب في تردي الأوضاع الأمنية وتزايد معدلات الجريمة.
وينص قانون الأسلحة رقم (15) لسنة 2017 على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة لكل من حمل أو باع أو اشترى أسلحة نارية أو عتادها من دون إجازة من سلطة الإصدار، وبغرامة لا تقل عن 500 ألف دينار (350 دولارا) ولا تزيد على مليون دينار (700 دولار أميركي). كما أجاز القانون المشرّع من قبل البرلمان العراقي إمكانية فتح محلات خاصة ببيع الأسلحة النارية من مقتنيات المواطنين والموجودة محليا، وذلك بإجازة من سلطة الإصدار المتمثلة في وزارة الداخلية.
وتنتشر أسواق بيع الأسلحة في جميع المحافظات العراقية، بعض تلك الأسواق علني وتُعرض موجوداته من أسلحة وأعتدة في متاجر خاصة، والبعض الآخر سري يخفي ما يبيعه، وتُجرى عمليات البيع والشراء عبر تجار ووسطاء يتواصلون مع بعضهم البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومن بين أشهر أسواق السلاح في البلاد، سوق (مريدي) في بغداد، وسوق الأسلحة في محافظة ذي قار جنوب البلاد، حيث يمكنك أن تشتري كل ما تريد من أسلحة، وفق ما يقوله باعة.